فاعِلُه بزواله". (?) أي كأنه خرج من التسليم لقدرة الله وعظيمِ فِعله، إلى الطمع في معرفة سبب أرضي ومادي له، فانقطع لذلك.
وكما ظهرت بركة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الطعام والشراب؛ فإنها ظهرت في تكثيره لماء الوضوء حين احتاج الصحابة إليه، يقول أنس - رضي الله عنه -: (رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحانت صلاةُ العصر، فالتمس الناسُ الوَضُوءَ، فلم يجدوه، فأُتي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بوَضوءٍ، فوضع رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك الإناءِ يدَه، وأمر الناس أن يتوضؤوا منه، قال أنس: فرأيتُ الماء ينبع من تحت أصابعه، حتى توضؤوا من عندِ آخرهم). (?)
وفي رواية لأحمد من حديث ابن مسعود أنه قال: ((فرأيتُ الماءَ يتفجرُ من بين أصابع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: ((حي على الوَضُوء، والبركةُ من الله)).
قال جابر: كنا ألفاً وخمسَ مائة. (?)
قال الطيبي: "وإنما طلب فَضْلةً من الماء كيلا يُظَنَّ أنه - صلى الله عليه وسلم - مُوجِد الماء، فإن الإيجاد إليه سبحانه، وإليه أشار بقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((والبركةُ من الله)) أي أن هذا الذي رأيتم من زيادة الماء أيضاً ليس مني، إنما هو بركةٌ من الله تعالى وفضل". (?) إنه دليلٌ آخرُ من دلائل نبوته - صلى الله عليه وسلم -.
ويروي الشيخان عن أنسِ بنِ مالكٍ شاهداً آخر من شواهد نبوته ودلائل رسالته، فيقول: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بالزَوراء، والزَوراء موضع في المدينة.
قال أنس: فدعا - صلى الله عليه وسلم - بقدحٍ فيه ماء، فوضع كفّه فيه، فجعل ينبُع من بين أصابعه، فتوضأ جميع أصحابه، قال قتادة: كم كانوا يا أبا حمزة؟ فقال أنس: كانوا زُهاء الثلاثِ مائة. (?)
قال القاضي عياض: "هذه القصة رواها الثقاتُ من العدد الكثير عن الجم الغفير، عن الكافّة متصلةً بالصحابة، وكان ذلك في مواطن اجتماع الكثير منهم في المحافل ومَجمَع