القول في الحذف
هو باب دقيق المسلك، لطيف المأخذ، عجيب الأمر، شبيه بالسّحر، فإنك ترى به ترك الذّكر، أفصح من الذكر، والصّمت عن الإفادة، أزيد للإفادة، وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق، وأتمّ ما تكون بيانا إذا لم تبن.
وهذه جملة قد تنكرها حتى تخبر، وتدفعها حتى تنظر، وأنا أكتب لك بديئا أمثلة مما عرض فيه الحذف، ثم أنبهك على صحّة ما أشرت إليه، وأقيم الحجّة من ذلك عليه. أنشد صاحب الكتاب: [من البسيط]
اعتاد قلبك من ليلى عوائده ... وهاج أهواءك المكنونة الطلل
ربع قواء أذاع المعصرات به ... وكلّ حيران سار ماؤه خضل (?)
قال: أراد، «ذاك ربع قواء أو هو ربع». قال: ومثله قول الآخر: [من البسيط]
هل تعرف اليوم رسم الدّار والطّللا ... كما عرفت بجفن الصّيقل الخللا
دار لمروة إذ أهلي وأهلهم ... بالكانسيّة نرعى اللهو والغزلا (?)
كأنه قال: تلك دار. قال شيخنا (?) رحمه الله: ولم يحمل البيت الأول على أن «الرّبع» بدل من «الطّلل»، لأن الرّبع أكثر من الطّلل، والشيء يبدل مما هو مثله أو أكثر منه، فأما الشيء من أقلّ منه ففاسد لا يتصوّر. وهذه طريقة مستمرّة لهم إذا ذكروا الديار والمنازل.
وكما يضمرون المبتدأ فيرفعون، فقد يضمرون الفعل فينصبون، كبيت الكتاب أيضا: [من البسيط]