أن يعرّض مثلا بشاعر سواه، فيزعم أنّ الذي قرف به عند الممدوح من أنه هجاه، كان من ذلك الشاعر لا منه. هذا محال، بل ليس إلّا أنّه نفى عن نفسه أن يكون ممن يكفر
النّعمة ويلؤم.
واستعمال «مثل» و «غير» على هذا السبيل شيء مركوز في الطباع، وهو جار في عادة كل قوم. فأنت الآن إذا تصفّحت الكلام وجدت هذين الاسمين يقدّمان أبدا على الفعل إذا نحي بهما هذا النّحو الذي ذكرت لك، وترى هذا المعنى لا يستقيم فيهما إذا لم يقدّما. أفلا ترى أنك لو قلت: «يثني الحزن عن صوبه مثلك»، و «رعى الحق والحرمة مثلك»، و «يحمل على الأدهم والأشهب مثل الأمير»، و «ينخدع غيري بأكثر هذا الناس»، و «يأكل غيري المعروف سحتا»، رأيت كلاما مقلوبا عن جهته، ومغيّرا عن صورته، ورأيت اللّفظ قد نبا عن معناه، ورأيت الطبع يأبى أن يرضاه.
واعلم أنّ معك دستورا لك فيه، إن تأمّلت، غنى عن كل سواه، وهو أنه لا يجوز أن يكون لنظم الكلام وترتيب أجزائه في «الاستفهام» معنى لا يكون له ذلك المعنى في «الخبر». وذاك أن «الاستفهام»، استخبار، والاستخبار هو طلب من المخاطب أن يخبرك. فإذا كان كذلك، كان محالا أن يفترق الحال بين تقديم الاسم وتأخيره في «الاستفهام»، فيكون المعنى إذا قلت: «أزيد قام؟» غيره إذا قلت: «أقام زيد؟»، ثم لا يكون هذا الافتراق في الخبر، ويكون قولك: «زيد قام» و «قام زيد» سواء، ذاك لأنه يؤدي إلى أن تستعلمه أمرا لا سبيل فيه إلى جواب، وأن تستثبته المعنى على وجه ليس عنده عبارة يثبته لك بها على ذلك الوجه.
وجملة الأمر، أن المعنى في إدخالك «حرف الاستفهام» على الجملة من الكلام، هو أنك تطلب أن يقفك في معنى تلك الجملة ومؤدّاها على إثبات أو نفي.
فإذا قلت: «أزيد منطلق؟»، فأنت تطلب أن يقول لك: «نعم، هو منطلق» أو يقول:
«لا، ما هو منطلق». وإذا كان ذلك كذلك، كان محالا أن تكون الجملة إذا دخلتها همزة الاستفهام استخبارا عن المعنى على وجه، لا تكون هي- إذا نزعت منها الهمزة (?) - إخبارا به على ذلك الوجه، فاعرفه.