ومثله في الوضوح قوله: [من الطويل] وما أنا وحدي قلت ذا الشّعر كلّه (?) «الشعر» مقول على القطع، والنفي لأن يكون هو وحده القائل له.

وهاهنا أمران يرتفع معهما الشك في وجوب هذا الفرق، ويصير العلم به كالضرورة.

أحدهما: أنه يصحّ لك أن تقول: «ما قلت هذا، ولا قاله أحد من الناس»، و «ما ضربت زيدا، ولا ضربه أحد سواي»، ولا يصحّ ذلك في الوجه الآخر. فلو قلت:

«ما أنا قلت هذا، ولا قاله أحد من الناس»، و «ما أنا ضربت زيدا، ولا ضربه أحد سواي»، كان خلفا (?) من القول، وكان في التناقض بمنزلة أن تقول: «لست الضّارب زيدا أمس»، فتثبت أنه قد ضرب، ثم تقول من بعده: «وما ضربه أحد من الناس»، و «لست القائل ذلك»، فتثبت أنه قد قيل، ثم تجيء فتقول و «ما قاله أحد من الناس».

والثاني: من الأمرين أنك تقول: «ما ضربت إلا زيدا»، فيكون كلاما مستقيما، ولو قلت: «ما أنا ضربت إلا زيدا»، كان لغوا من القول، وذلك لأن نقض النّفي ب «إلّا» يقتضي أن تكون ضربت زيدا، وتقديمك ضميرك وإيلاؤه حرف النفي، يقتضي نفي أن تكون ضربته، فهما يتدافعان (?). فاعرفه.

ويجيء لك هذا الفرق على وجهه في تقديم المفعول وتأخيره.

فإذا قلت: «ما ضربت زيدا»، فقدمت الفعل، كان المعنى أنك قد نفيت أن يكون قد وقع ضرب منك على زيد، ولم تعرض في أمر غيره لنفي، ولا إثبات، وتركته مبهما محتملا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015