بإنسان بعينه، ولا يبالون من أوقعه، كمثل ما يعلم من حالهم في حال الخارجيّ يخرج فيعيث ويفسد، ويكثر به الأذى، أنّهم يريدون قتله، ولا يبالون من كان القتل منه، ولا يعنيهم منه شيء. فإذا قتل، وأراد مريد الإخبار بذلك، فإنه يقدّم ذكر الخارجيّ فيقول: «قتل الخارجيّ زيد»، ولا يقول: «قتل زيد الخارجيّ»، لأنه يعلم أن ليس للناس في أن يعلموا أن القاتل له «زيد» جدوى وفائدة، فيعنيهم ذكره ويهمّهم ويتّصل بمسرّتهم، ويعلم من حالهم أن الذي هم متوقّعون له ومتطلّعون إليه متى يكون، وقوع القتل بالخارجي المفسد، وأنّهم قد كفوا شرّه وتخلّصوا منه.

ثم قالوا: فإن كان رجل ليس له بأس ولا يقدّر فيه أنّه يقتل، فقتل رجلا، وأراد المخبر أن يخبر بذلك، فإنه يقدم ذكر القاتل فيقول: «قتل زيد رجلا»، ذاك لأن الذي يعنيه ويعني الناس من شأن هذا القتل، طرافته وموضع النّدرة فيه، وبعده كان من الظنّ. ومعلوم أنه لم يكن نادرا وبعيدا من حيث كان واقعا بالذي وقع به، ولكن من حيث كان واقعا من الذي وقع منه.

فهذا جيد بالغ، إلا أنّ الشأن في أنه ينبغي أن يعرف في كل شيء قدّم في موضع من الكلام مثل هذا المعنى، ويفسّر وجه العناية فيه هذا التفسير.

وقد وقع في ظنون النّاس أنّه يكفي أن يقال: «إنه قدم للعناية، ولأن ذكره أهم»، من غير أن يذكر، من أين كانت تلك العناية؟ وبم كان أهمّ؟، ولتخيّلهم ذلك، قد صغر أمر «التقديم والتأخير» في نفوسهم، وهوّنوا الخطب فيه، حتى إنك لترى أكثرهم يرى تتبّعه والنظر فيه ضربا من التكلّف. ولم تر ظنّا أزرى على صاحبه من هذا وشبهه.

وكذلك صنعوا في سائر الأبواب، فجعلوا لا ينظرون في «الحذف والتكرار»، و «الإظهار والإضمار»، «الفصل والوصل»، ولا في نوع من أنواع الفروق والوجوه إلا نظرك فيما غيره أهمّ لك، بل فيما إن لم تعلمه لم يضرك.

لا جرم أنّ ذلك قد ذهب بهم عن معرفة البلاغة، ومنعهم أن يعرفوا مقاديرها، وصدّ بأوجههم عن الجهة التي هي فيها، والشّقّ الذي يحويها. والمداخل التي تدخل منها الآفة على الناس في شأن العلم، ويبلغ الشيطان مراده منهم في الصّد عن طلبه وإحراز فضيلته- كثيرة، وهذه من أعجبها، إن وجدت متعجّبا.

وليت شعري، إن كانت هذه أمورا هيّنة، وكان المدى فيها قريبا، والجدا (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015