عامله الذي هو «تكون»، وأن لم يقل: فلو تكون عن الأهواز داري بنجوة إذ نبا دهر، ثم أن ساق هذا التنكير في جميع ما أتى به من بعد، ثم أن قال: «وأنكر صاحب» ولم يقل: وأنكرت صاحبا، لا ترى في البيتين الأوّلين شيئا غير الذي عددته لك تجعله حسنا في «النظم»، وكله من معاني النحو كما ترى. وهكذا السبيل أبدا في كل حسن ومزية رأيتهما قد نسبا إلى «النظم»، وفضل، وشرف أحيل فيهما عليه.
وإذ قد عرفت أنّ مدار أمر «النظم» على معاني النحو، وعلى الوجوه والفروق التي من شأنها أن تكون فيه، فاعلم أنّ الفروق والوجوه كثيرة ليس لها غاية تقف عندها، ونهاية لا تجد لها ازديادا بعدها، ثمّ اعلم أن ليست المزيّة بواجبة لها في أنفسها، ومن حيث هي على الإطلاق، ولكن تعرض بسبب المعاني والأغراض التي يوضع لها الكلام، ثم بحسب موقع بعضها من بعض، واستعمال بعضها مع بعض.
تفسير هذا: أنه ليس إذا راقك التنكير في «سؤدد» (?) من قوله «تنقّل في خلقي سؤدد»، وفي «دهر» من قوله: «فلو إذ نبا دهر»، فإنه يجب أن يروقك أبدا وفي كل شيء، ولا إذا استحسنت لفظ ما لم يسمّ فاعله في قوله «وأنكر صاحب»، فإنه ينبغي أن لا تراه في مكان إلا أعطيته مثل استحسانك هاهنا، بل ليس من فضل ومزيّة إلا بحسب الموضع، وبحسب المعنى الذي تريد والغرض الذي تؤمّ. وإنما سبيل هذه المعاني سبيل الأصباغ التي تعمل منها الصور والنقوش، فكما أنك ترى الرجل قد تهدّى في الأصباغ التي عمل منها الصّورة والنقش في ثوبه الذي نسج، إلى ضرب من التخيّر والتدبّر في أنفس الأصباغ وفي مواقعها ومقاديرها وكيفية مزجه لها وترتيبه إياها،
إلى ما لم يتهدّ إليه صاحبه، فجاء نقشه من أجل ذلك أعجب، وصورته أغرب، كذلك حال الشاعر والشاعر في توخّيهما معاني النّحو ووجوهه التي علمت أنها محصول «النّظم».
واعلم أنّ من الكلام ما أنت ترى المزيّة في نظمه والحسن، كالأجزاء من الصّبغ تتلاحق وينضمّ بعضها إلى بعض حتى تكثر في العين، فأنت لذلك لا تكبر شأن