وتجيء إلى اسم المشبّه به فتعيره المشبّه وتجريه عليه. تريد أن تقول: رأيت رجلا هو كالأسد في شجاعته وقوة بطشه سواء»، فتدع ذلك وتقول: «رأيت أسدا».
وضرب آخر من «الاستعارة»، وهو ما كان نحو قوله: [من الكامل] إذ أصبحت بيد الشّمال زمامها (?) هذا الضرب، وإن كان الناس يضمّونه إلى الأوّل حيث يذكرون الاستعارة، فليسا سواء. وذاك أنّك في الأوّل تجعل الشيء الشيء ليس به، وفي الثاني للشيء الشيء ليس له.
تفسير هذا: أنك إذا قلت: «رأيت أسدا»، فقد ادّعيت في إنسان أنه أسد، وجعلته إياه، ولا يكون الإنسان أسدا. وإذا قلت: «إذ أصبحت بيد الشّمال زمامها»، فقد ادعيت أنّ للشّمال يدا، ومعلوم أنه لا يكون للريح.
وهاهنا أصل ضبطه وهو أنّ جعل المشبّه المشبّه به على ضربين:
أحدهما: أن تنزله منزلة الشيء تذكره بأمر قد ثبت له، فأنت لا تحتاج إلى أن تعمل في إثباته وتزجيته، وذلك حيث تسقط ذكر المشبه من البين، ولا تذكره بوجه من الوجوه، كقولك «رأيت أسدا».
والثاني: أن تجعل ذلك كالأمر الذي يحتاج إلى أن تعمل في إثباته وتزجيته، وذلك حيث تجري اسم المشبّه به خبرا على المشبّه، فتقول: «زيد أسد، وزيد هو الأسد»، أو تجيء به على وجه يرجع إلى هذا كقولك: «إن لقيته لقيت به أسدا، وإن لقيته ليلقينّك منه الأسد»، فأنت في هذا كله تعمل في إثبات كونه «أسدا» أو «الأسد»، وتضع كلامك له. وأمّا في الأوّل فتخرجه مخرج ما لا يحتاج فيه إلى إثبات وتقرير. والقياس يقتضي أن يقال في هذا الضرب أعني: ما أنت تعمل في إثباته وتزجيته: أنه تشبيه على حدّ المبالغة، ويقتصر على هذا القدر، ولا يسمى «استعارة».
وأمّا «التمثيل» الذي يكون مجازا لمجيئك به على حدّ الاستعارة، فمثاله قولك للرجل يتردّد في الشيء بين فعله وتركه: «أراك تقدّم رجلا وتؤخّر أخرى» (?).
فالأصل في هذا: أراك في تردّدك كمن يقدّم رجلا ويؤخّر أخرى، ثم اختصر الكلام،