كثرت الكثرة العظيمة، واتّسعت الاتساع المجاوز لوسع الخلق وطاقة البشر؟ وكيف يكون أن تظهر في ألفاظ محصورة، وكلم معدودة معلومة، بأن يؤتى ببعضها في إثر بعض، لطائف (?) لا يحصرها العدد، ولا ينتهي بها الأمد؟ أم أن يبحث عن ذلك كلّه، ويستقصي النظر في جميعه، ويتتبعه شيئا فشيئا، ويستقصيه بابا فبابا، حتى يعرف كلّا منه بشاهده ودليله، ويعلمه بتفسيره وتأويله، ويوثق بتصويره وتمثيله، ولا يكون كمن قيل فيه: [من الطويل]
يقولون أقوالا ولا يعلمونا ... ولو قيل: هاتوا حقّقوا، لم يحققوا (?)
قد قطعت عذر المتهاون، ودللت على ما أضاع من حظّه، وهدايته لرشده، وصحّ أن لا غنى بالعاقل عن معرفة هذه الأمور، والوقوف عليها، والإحاطة بها، وأنّ الجهة (?) التي منها يقف، والسبب الذي به يعرف، استقراء كلام العرب وتتبّع أشعارهم والنظر فيها. وإذ قد ثبت ذلك، فينبغي لنا أن نبتدئ في بيان ما أردنا بيانه، ونأخذ في شرحه والكشف عنه.
وجملة ما أردت أن أبيّنه لك: أنه لا بدّ لكل كلام تستحسنه، ولفظ تستجيده، من أن يكون لاستحسانك ذلك جهة معلومة وعلّة معقولة وأن يكون لنا إلى العبارة عن ذاك سبيل، وعلى صحة ما ادعيناه من ذلك دليل.
وهو باب من العلم إذا أنت فتحته اطّلعت منه على فوائد جليلة، ومعان شريفة، ورأيت له أثرا في الدين عظيما وفائدة جسيمة، ووجدته سببا إلى حسم كثير من الفساد فيما يعود إلى التنزيل وإصلاح أنواع من الخلل فيما يتعلّق بالتأويل، وإنّه ليؤمنك من أن تغالط في دعواك، وتدافع عن مغزاك، ويربأ بك عن أن تستبين هدى ثم لا تهدي إليه،
وتدلّ بعرفان ثم لا تستطيع أن تدلّ عليه (?) وأن تكون عالما (?) في ظاهر مقلّد، ومستبينا في صورة شاكّ وأن يسألك السائل عن حجّة يلقى بها الخصم في آية من كتاب الله تعالى أو غير ذلك، فلا ينصرف عنك بمقنع وأن يكون غاية ما لصاحبك منك أن تحيله على نفسه، وتقول: «قد نظرت فرأيت فضلا ومزيّة،