حدة، وهو ما لا يعقل، إذ لا يتصوّر في «زيد» من قولك» «ضربت زيدا»، أن يكون شيئا برأسه، حتى تكون بتعديتك «ضربت» إليه قد ضممت فائدة إلى أخرى. وإذا كان ذلك كذلك، وجب أن يعلم أن الحقيقة في هذا: أن الكلام يخرج بذكر «المفعول» إلى معنى غير الذي كان، وأن وزان الفعل قد عدّي إلى مفعول معه، وقد أطلق فلم يقصد به إلى مفعول دون مفعول، وزان الاسم المخصص بالصّفة مع الاسم المتروك على شياعه، كقولك: «جاءني رجل ظريف»، مع قولك: «جاءني رجل»، في أنك لست في ذلك كمن يضم معنى إلى معنى وفائدة إلى فائدة، ولكن كمن يريد هاهنا شيئا وهناك شيئا آخر. فإذا قلت: «ضربت زيدا»، كان المعنى غيره إذا قلت: «ضربت» ولم تزد «زيدا».
وهكذا يكون الأمر أبدا، كلّما زدت شيئا، وجدت المعنى قد صار غير الذي كان. ومن أجل ذلك صلح المجازاة بالفعل الواحد، إذا أتي به مطلقا في الشّرط، ومعدى إلى شيء في الجزاء، كقوله تعالى: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ [الإسراء: 7]، وقوله عز وجل: وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ [الشعراء: 130]، مع العلم بأن الشرط ينبغي أن يكون غير الجزاء، من حيث كان الشرط سببا والجزاء مسبّبا، وأنه محال أن يكون الشيء سببا لنفسه. فلولا أنّ المعنى في «أحسنتم» الثانية، غير المعنى في الأولى، وأنها في حكم فعل ثان، لما ساغ ذلك، كما لا يسوغ أن تقول: «إن قمت قمت، وإن خرجت خرجت»، ومثله من الكلام قوله: «المرء بأصغريه، إن قال قال ببيان، وإن صال صال بجنان»، ويجري ذلك في الفعلين قد عدّيا جميعا، إلّا أن الثاني منهما قد تعدّى إلى شيء زائد على ما تعدّى إليه الأوّل، ومثاله قولك: «إن أتاك زيد أتاك لحاجة»، وهو أصل كبير. والأدلّة على ذلك كثيرة، ومن أولاها بأن يحفظ: أنك ترى البيت قد استحسنه الناس وقضوا لقائله بالفضل فيه، وبأن الذي غاص على معناه بفكره، وأنه أبو عذره، ثم لا ترى ذلك الحسن وتلك الغرابة كانا، إلّا لما بناه على الجملة دون نفس الجملة. ومثال ذلك قول الفرزدق:
[من الطويل]
وما حملت أمّ امرئ في ضلوعها ... أعقّ من الجاني عليها هجائيا (?)
فلولا أن معنى الجملة يصير بالبناء عليها شيئا غير الذي كان، ويتغيّر في ذاته، لكان محالا أن يكون البيت بحيث تراه من الحسن والمزيّة، وأن يكون معناه خاصّا