أصناف الحلي بأنفسهما، ولكن بما يحدث فيهما من الصّورة، كذلك لا تكون الكلم المفردة التي هي أسماء وأفعال وحروف، وكلاما وشعرا، من غير أن يحدث فيها النظم الذي حقيقته توخّي معاني النحو وأحكامه.
فإذن ليس لمن يتصدّى لما ذكرنا، من أن يعمد إلى بيت فيضع مكان كل لفظة منها لفظة في معناها، إلا أن يستركّ عقله، ويستخفّ، ويعدّ معدّ الذي حكي أنه قال: «إني قلت بيتا هو أشعر من بيت حسّان، قال حسّان: [من الكامل]
يغشون حتّى ما تهرّ كلابهم، ... لا يسألون عن السّواد المقبل (?)
وقلت:
يغشون حتّى ما تهرّ كلابهم ... أبدا ولا يسلون من ذا المقبل
فقيل: هو بيت حسّان، ولكنّك قد أفسدته.
واعلم أنه إنما أتي القوم من قلّة نظرهم في الكتب التي وضعها العلماء في اختلاف العبارتين على المعنى الواحد، وفي كلامهم في أخذ الشاعر من الشاعر، وفي أن يقول الشاعران على الجملة في معنى واحد، وفي الأشعار التي دوّنوها في هذا المعنى. ولو أنّهم كانوا أخذوا أنفسهم بالنظر في تلك الكتب، وتدبّروا ما فيها حقّ التدبّر، لكان يكون ذلك قد أيقظهم من غفلتهم، وكشف الغطاء عن أعينهم.
وقد أردت أن أكتب جملة من الشّعر الذي أنت ترى الشاعرين فيه قد قالا في معنى واحد، وهو ينقسم قسمين:
قسم أنت ترى أحد الشاعرين فيه قد أتى بالمعنى غفلا ساذجا، وترى الآخر قد أخرجه في صورة تروق وتعجب.
وقسم أنت ترى كل واحد من الشاعرين قد صنع في المعنى وصوّر.
وأبدا بالقسم الأول الّذي يكون المعنى في أحد البيتين غفلا، وفي الآخر مصوّرا