بقوانينه وأصوله، وليست معاني النّحو معاني ألفاظ، فيتصوّر أن يكون لها تفسير.
وجملة الأمر، أن «النظم» إنما هو أن «الحمد» من قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مبتدأ، و «لله» خبره، و «ربّ» صفة لاسم الله تعالى ومضاف إلى «العالمين» و «العالمين» مضاف إليه، و «الرحمن الرحيم» صفتان كالرب، و «مالك» من قوله: «مالك يوم الدّين» صفة أيضا، ومضاف إلى يوم. و «يوم» مضاف إلى «الدين»، و «إيّاك» ضمير اسم الله تعالى، وهو ضمير يقع موقع الاسم إذا كان الاسم منصوبا، معنى ذلك أنك لو ذكرت اسم الله مكانه لقلت: «الله نعبد»، ثم إنّ «نعبد» هو المقتضى معنى النصب فيه، وكذلك حكم «إيّاك نستعين». ثم إنّ جملة «إيّاك نستعين» معطوف بالواو على جملة «إيّاك نعبد»، و «الصّراط» مفعول، و «المستقيم» صفة للصّراط، و «صراط الّذين» بدل من «الصراط المستقيم»، «وأنعمت عليهم» صلة الذين، «وغير المغضوب عليهم» صفة «الذين»، و «الضّالين» معطوف على «المغضوب عليهم».
فانظر الآن هل يتصوّر في شيء من هذه المعاني أن يكون معنى اللفظ؟ وهل يكون كون «الحمد» مبتدأ معنى لفظ الحمد؟ أم يكون كون «رب» صفة وكونه مضافا إلى «العالمين» معنى لفظ «الرب»؟.
فإن قيل: إنّه إن لم تكن هذه المعاني أنفس الألفاظ، فإنها تعلم على كل حال من ترتيب الألفاظ، ومن الإعراب، فبالرفعة في «الدال» من «الحمد» يعلم أنه مبتدأ، وبالجر في «الباء» من «رب» يعلم أنه صفة، وبالياء في «العالمين» يعلم أنه مضاف إليه، وعلى هذا قياس الكلّ.
قيل: ترتيب اللفظ لا يكون لفظا، والإعراب وإن كان يكون لفظا، فإنه لا يتصوّر أن يكون هاهنا لفظان كلاهما علامة إعراب، ثم يكون أحدهما تفسيرا للآخر. وزيادة القول في هذا من خطل الرأي، فإنه مما يعلمه العاقل ببديهة النظر، ومن لم يتنبّه له في أول ما يسمع، لم يكن أهلا لأن يكلّم. ونعود إلى رأس الحديث فنقول:
قد بطل الآن من كل وجه وكل طريق، أن تكون «الفصاحة» وصفا للفظ من حيث هو لفظ ونطق لسان. وإذا كان هذا صورة الحال وجملة الأمر، ثم لم تر القوم تفكّروا في شيء مما شرحناه بحال، ولا أخطروه لهم ببال، بان وظهر أنهم لم يأتوا الأمر من بابه، ولم يطلبوه من معدنه، ولم يسلكوا إليه طريقه، وأنّهم لم يزيدوا على