فإن قال قائل: إن المزيّة من أجل أنّ المساواة تعلم في «رأيت أسدا» من طريق المعنى، وفي «رأيت رجلا مساويا للأسد» من طريق اللفظ.

قيل: قد قلنا فيما تقدم، إنه محال أن يتغير حال المعنى في نفسه، بأن يكنى عنه بمعنى آخر وأنه لا يتصوّر أن يتغيّر معنى طول القامة بأن يكنى عنه بطول النّجاد، ومعنى كثرة القرى بأن يكنى عنه بكثير الرّماد. وكما أنّ ذلك لا يتصوّر، فكذلك لا يتصوّر أن يتغير معنى مساواة الرّجل الأسد في الشجاعة، بأن يكنى عن ذلك ويدلّ عليه بأن تجعله «أسدا». فأنت الآن إذا نظرت إلى قوله: [من البسيط]

فأسبلت لؤلؤا من نرجس، وسقت ... وردا، وعضّت على العنّاب بالبرد (?)

فرأيته قد أفادك أن «الدّمع» كان لا يخرم من شبه اللؤلؤ، و «العين» من شبه النرجس شيئا، فلا تحسبنّ أن سبب الحسن الذي تراه فيه، والأريحية التي تجدها عنده، أنه أفادك ذلك فحسب. وذاك أنك تستطيع أن تجيء به صريحا فتقول:

«فأسبلت دمعا كأنه اللّؤلؤ بعينه، من عين كأنها النّرجس حقيقة»، ثم لا ترى من ذلك الحسن شيئا. ولكن اعلم أنّ سبب أن راقك، وأدخل الأريحيّة عليك، أنه أفادك في إثبات شدّة الشبه مزيّة، وأوجدك فيه خاصّة قد غرز في طبع الإنسان أن يرتاح لها، ويجد في نفسه هزّة عندها، وهكذا حكم نظائره كقول أبي نواس: [من السريع]

تبكي فتذري الدّرّ عن نرجس، ... وتلطم الورد بعنّاب (?)

وقول المتنبي: [من الوافر]

بدت قمرا، ومالت خوط بان، ... وفاحت عنبرا، ورنت غزالا (?)

واعلم أن منشأ «الاستعارة» أنك كلما زدت إرادتك التشبيه إخفاء، ازدادت الاستعارة حسنا، حتى إنك تراها أغرب ما تكون إذا كان الكلام قد ألّف تأليفا إن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015