وإذ قد عرفت أنّ طريق العلم بالمعنى في «الاستعارة» و «الكناية» معا، المعقول، فاعلم أن حكم «التّمثيل» في ذلك حكمهما، بل الأمر في «التمثيل» أظهر.

وذلك أنه ليس من عاقل يشكّ إذا نظر في كتاب يزيد بن الوليد (?) إلى مروان ابن محمّد، حين بلغه أنه يتلكأ في بيعته:

«أمّا بعد، فإنّي أراك تقدّم رجلا وتؤخّر أخرى، فإذا أتاك كتابي هذا فاعتمد على أيّتهما شئت، والسّلام» (?).

يعلم أنّ المعنى أنه يقول له: بلغني أنّك في أمر البيعة بين رأيين مختلفين، ترى تارة أن تبايع،، وأخرى أن تمتنع من البيعة، فإذا أتاك كتابي هذا فاعمل على أي الرأيين شئت وأنّه لم يعرف ذلك من لفظ «التقديم والتأخير»، أو من لفظ «الرّجل»، ولكن بأن علم أنه لا معنى لتقديم الرّجل وتأخيرها في رجل يدعى إلى البيعة، وأنّ المعنى على أنه أراد أن يقول: إنّ مثلك في تردّدك بين أن تبايع، وبين أن تمتنع، مثل رجل قائم ليذهب في أمر، فجعلت نفسه تريه تارة أن الصواب في أن يذهب، وأخرى أنه في أن لا يذهب، فجعل يقدّم رجلا تارة، ويؤخّر أخرى.

وهكذا كلّ كلام كان ضرب مثل، لا يخفى على من له أدنى تمييز أن الأغراض التي تكون للناس في ذلك لا تعرف من الألفاظ، ولكن تكون المعاني الحاصلة من مجموع الكلام أدلّة على الأغراض والمقاصد. ولو كان الذي يكون غرض المتكلم يعلم من اللفظ، ما كان لقولهم: «ضرب كذا مثلا لكذا»، معنى، فما اللفظ «يضرب مثلا» ولكن المعنى. فإذا قلنا في قول النبي صلى الله عليه وسلّم: «إيّاكم وخضراء الدّمن» (?)، إنه ضرب عليه السلام «خضراء الدّمن» مثلا للمرأة الحسناء في منبت السّوء، لم يكن المعنى أنه صلى الله عليه وسلّم ضرب لفظ «خضراء الدّمن» مثلا لها. هذا ما لا يظنّه من به مسّ، فضلا عن العاقل.

فقد زال الشكّ وارتفع في أنّ طريق العلم بما يراد إثباته والخبر به في هذه الأجناس الثلاثة، التي هي «الكناية» و «الاستعارة» و «التمثيل» المعقول دون اللّفظ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015