ويكفيك أنه يلزم على ما قالوه أن يكون امرؤ القيس حين قال: [من الطويل] قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل (?) قاله وهو لا يعلم ما نعنيه بقولنا: أن «قفا» أمر، و «نبك» جواب الأمر، و «ذكرى» مضاف إلى «حبيب»، و «منزل» معطوف على الحبيب وأن تكون هذه الألفاظ قد ترتّبت له من غير قصد منه إلى هذه المعاني. وذلك يوجب أن يكون قال:

«نبك» بالجزم من غير أن يكون عرف معنى يوجب الجزم، وأتى به مؤخرا عن «قفا»، من غير أن عرف لتأخيره موجبا سوى طلب الوزن.

ومن أفضت به الحال إلى أمثال هذه الشناعات، ثم لم يرتدع، ولم يتبيّن أنه على خطأ، فليس إلّا تركه والإعراض عنه.

ولولا أنّا نحبّ أن لا ينبس أحد في معنى السّؤال والاعتراض بحرف إلّا أريناه الذي استهواه، لكان ترك التشاغل بإيراد هذا وشبهه أولى. ذاك لأنّا قد علمنا علم ضرورة أنّا لو بقينا الدهر الأطول نصعّد ونصوّب، ونبحث وننقّب، نبتغي كلمة قد اتصلت بصاحبة لها، ولفظة قد انتظمت مع أختها، من غير أن توخّي فيما بينهما معنى من معاني النحو، طلبنا ممتنعا، وثنينا مطايا الفكر ظلّعا. فإن كان هاهنا من يشكّ في ذلك، ويزعم أنه قد علم لاتّصال الكلم بعضها ببعض، وانتظام الألفاظ بعضها مع بعض، معاني غير معاني النحو، فإنا نقول له: هات، فبيّن لنا تلك المعاني، وأرنا مكانها، واهدنا لها، فلعلّك قد أوتيت علما قد حجب عنّا، وفتح لك باب قد أغلق دوننا: [من الوافر]

وذاك له إذا العنقاء صارت ... مربّبة وشبّ ابن الخصيّ (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015