معنى هذه مع معنى تلك، ويراعى هناك أمر يصل إحداهما بالأخرى، كمراعاة كون:
«نبك»، جوابا للأمر في قوله: «قفا نبك»، وكيف بالشّكّ في ذلك؟ ولو كانت الألفاظ يتعلّق بعضها ببعض من حيث هي ألفاظ، ومع اطّراح النّاظر في معانيها، ولأدّى ذلك إلى أن يكون الناس حين ضحكوا مما يصنعه المجّان من قراءة أنصاف الكتب، ضحكوا عن جهالة، وأن يكون أبو تمام قد أخطأ حين قال: [من الكامل].
عذلا شبيها بالجنون كأنّما ... قرأت به الورهاء شطر كتاب (?)
لأنهم لم يضحكوا إلّا من عدم التعلّق، ولم يجعله أبو تمام جنونا إلا لذلك.
فانظر إلى ما يلزم هؤلاء القوم من طرائف الأمور.
وهذا فنّ من الاستدلال لطيف على بطلان أن تكون «الفصاحة» صفة للفظ من حيث هو لفظ.
لا تخلو «الفصاحة» من أن تكون صفة في اللفظ محسوسة تدرك بالسّمع، أن تكون صفة فيه معقولة تعرف بالقلب. فمحال أن تكون صفة في اللّفظ محسوسة، لأنها لو كانت كذلك، لكان ينبغي أن يستوي السامعون للفظ الفصيح في العلم بكونه فصيحا. وإذا بطل أن تكون محسوسة، وجب الحكم ضرورة بأنّها صفة معقولة. وإذا وجب الحكم بكونها صفة معقولة، فإنّا لا نعرف للّفظ صفة يكون طريق معرفتها العقل دون الحس، إلّا دلالته على معنى. وإذا كان كذلك، لزم منه العلم بأنّ وصفنا اللّفظ بالفصاحة، وصف له من جهة معناه، لا من جهة نفسه، وهذا ما لا يبقى لعاقل معه عذر في الشك، والله الموفّق للصواب.
وبيان آخر، وهو أنّ القارئ إذا قرأ قوله تعالى: وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً [مريم:
4]، فإنه لا يجد الفصاحة التي يجدها إلّا من بعد أن ينتهي الكلام إلى آخره. فلو