و «غيرها إبلا وشاء» لم يكن شيئا. وذلك أنّ «إنّ» كانت السبب في أن حسن حذف الذي حذف من الخبر، وأنها حاضنته، والمترجم عنه، والمتكفّل بشأنه.

واعلم أن الذي قلنا في «إن» من أنها تدخل على الجملة، من شأنها إذا هي أسقطت منها أن يحتاج فيها إلى «الفاء» لا يطّرد في كلّ شيء وكلّ موضع، بل يكون في موضع دون موضع، وفي حال دون حال، فإنك قد تراها قد دخلت على الجملة ليست هي مما يقتضي «الفاء»، وذلك فيما لا يحصى كقوله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ. فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وذاك أنّ قبله إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ [الدخان: 50 - 52]. ومعلوم أنك لو قلت: «إنّ هذا ما كنتم به تمترون، فالمتقون في جنات وعيون»، لم يكن كلاما وكذلك قوله: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ، لأنك لو قلت: «لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ [الأنبياء: 100 - 101] فالذين سبقت لهم منا الحسنى»، لم تجد لإدخالك «الفاء» فيه وجها وكذلك قوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ [الحج: 17]، «الذين آمنوا» اسم «إنّ»، وما بعده معطوف عليه، وقوله «إن الله يفصل بينهم يوم القيامة»، جملة في موضع الخبر، ودخول «الفاء» فيها محال، لأن الخبر لا يعطف على المبتدأ ومثله سواء: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا [الكهف: 30].

فإذا، إنما يكون الذي ذكرنا في الجملة من حديث اقتضاء «الفاء»، إذا كان مصدرها مصدر الكلام يصحّح به ما قبله، يحتجّ له، ويبيّن وجه الفائدة فيه. ألا ترى أن الغرض من قوله:

إنّ ذاك النّجاح في التبكير جلّه أن يبيّن المعنى في قوله لصاحبيه: «بكّرا»، وأن يحتجّ لنفسه في الأمر بالتبكير، ويبيّن وجه الفائدة فيه؟

وكذلك الحكم في الآي التي تلوناها فقوله: إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ، بيان للمعنى في قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ، ولم أمروا بأن يتّقوا وكذلك قوله إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ، بيان للمعنى في أمر النبي صلى الله عليه وسلّم بالصلاة، أي بالدعاء لهم. وهذا سبيل كلّ ما أنت ترى فيه الجملة يحتاج فيها إلى «الفاء»، فاعرف ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015