الكلام، لم تقله إلا «بالفاء» كقولك: «وأرضى بها من بحر آخر، فالرّيّ أن ترضى النفوس ثمادها».
فلو أنّ الفيلسوف قد كان تتبع هذه المواضع، لما ظنّ الذي ظن. هذا، وإذا كان خلف الأحمر وهو القدوة، ومن يؤخذ عنه، ومن هو بحيث يقول الشعر فينحله الفحول الجاهليّين فيخفى ذلك له، ويجوز أن يشتبه ما نحن فيه عليه حتّى يقع له أن ينتقد على بشار، فلا غرو أن تدخل الشّبهة في ذلك على الكنديّ.
ومما تصنعه «إنّ» في الكلام، أنك تراها تهيّئ النكرة وتصلحها لأن يكون لها حكم المبتدأ، أعني أن تكون محدّثا عنها بحديث من بعدها. ومثال ذلك قوله:
[من البسيط المنخلع]
إنّ شواء ونشوة ... وخبب البازل الأمون (?)
قد ترى حسنها وصحة المعنى معها، ثم إنك إن جئت بها من غير: «إنّ» فقلت: «شواء ونشوة وخبب البازل الأمون» لم يكن كلاما.
فإن كانت النكرة موصوفة، وكانت لذلك تصلح أن يبتدأ بها، فإنك تراها مع «إن» أحسن، وترى المعنى حينئذ أولى بالصحة وأمكن، أفلا ترى إلى قوله: [من الخفيف]
إنّ دهرا يلفّ شملي بسعدى ... لزمان يهمّ بالإحسان (?)
ليس بخفيّ وإن كان يستقيم أن تقول: «دهر يلف شملي بسعدى دهر صالح» أن ليس الحالان على سواء، وكذلك ليس بخفيّ أنك لو عمدت إلى قوله: [من المديد المشطور]
إنّ أمرا فادحا ... عن جوابي شغلك (?)
فأسقطت منه «إنّ» لعدمت منه الحسن والطّلاوة والتمكّن الذي أنت واجده الآن، ووجدت ضعفا وفتورا.