عنى بخمس السحائب، أنامله، ولكنه لم يأت بهذه الاستعارة دفعة، ولم يرمها إليك بغتة، بل ذكر ما ينبئ عنها، ويستدلّ بها عليه، فذكر أن هناك صاعقة، وقال:

«من نصله»، فبيّن أن تلك الصاعقة من نصل سيفه ثم قال: «أرؤس الأقران»، ثم قال: «خمس»، فذكر «الخمس» التي هي عدد أنامل اليد، فبان من مجموع هذه الأمور غرضه.

وأنشدوا لبعض العرب: [من الرجز]

فإن تعافوا العدل والإيمانا ... فإنّ في أيماننا نيرانا (?)

يريد أن في أيماننا سيوفا نضربكم بها، ولولا قوله أولا: «فإن تعافوا العدل والإيمان»، وأن في ذلك دلالة على أنّ جوابه أنهم يحاربون ويقسرون على الطاعة بالسيف، ثم قوله: «فإن في أيماننا»، لما عقل مراده، ولما جاز له أن يستعير النيران للسيوف، لأنه كان لا يعقل الذي يريد، لأنّا وإن كنا نقول: «في أيديهم سيوف تلمع كأنها شعل نار» كما قال: [من الكامل]

ناهضتهم والبارقات كأنّها ... شعل على أيديهم تتلهب (?)

فإن هذا التشبيه لا يبلغ مبلغ ما يعرف مع الإطلاق، كمعرفتنا إذا قال: «رأيت أسدا»، أنه يريد الشجاعة، وإذا قال: «لقيت شمسا وبدرا»، أنه يريد الحسن ولا يقوي تلك

القوة، فاعرفه.

ومما طريق المجاز فيه الحكم، قول الخنساء: [من البسيط]

ترتع ما رتعت، حتّى إذا ادّكرت ... فإنّما هي إقبال وإدبار (?)

وذاك أنها لم ترد بالإقبال والإدبار غير معناهما، فتكون قد تجوّزت في نفس الكلمة، وإنما تجوّزت في أن جعلتها لكثرة ما تقبل وتدبر، ولغلبة ذاك عليها واتّصاله منها، وأنه لم يكن لها حال غيرهما، كأنها قد تجسّمت من الإقبال والإدبار. وإنّما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015