وصيّرني هواك وبي ... لحيني يضرب المثل (?)

وقوله: [من مجزوء الوافر]

يزيدك وجهه حسنا ... إذا ما زدته نظرا (?)

أن تزعم أنّ «لصيّرني» فاعلا قد نقل عنه الفعل، فجعل «للهوى» كما فعل ذلك في «ربحت تجارتهم» و «يحمي نساءنا ضرب»، ولا تستطيع كذلك أن تقدر «ليزيد» في قوله: «يزيدك وجهه» فاعلا غير «الوجه»، فالاعتبار إذن بأن يكون المعنى الذي يرجع إليه الفعل موجودا في الكلام على حقيقته.

معنى ذلك أن «القدوم» في قولك» «أقدمني بلدك حقّ لي على إنسان»، موجود على الحقيقة، وكذلك «الصيرورة» في قوله: «وصيّرني هواك»، و «الزيادة» في قوله:

«يزيدك وجهه» موجودا على الحقيقة، وإذا كان معنى اللفظ موجودا على الحقيقة، لم يكن المجاز فيه نفسه، وإذا لم يكن المجاز في نفس اللفظ، كان لا محالة في الحكم. فاعرف هذه الجملة، وأحسن ضبطها، حتى تكون على بصيرة من الأمر.

ومن اللطيف في ذلك قول حاجز بن عوف: [من الوافر]

أبي عبر الفوارس يوم داج ... وعمّي مالك وضع السّهاما

فلو صاحبتنا لرضيت منّا ... إذا لم تغبق المائة الغلاما (?)

يريد إذا كان العام عام جدب وجفّت ضروع الإبل، وانقطع الدّر، حتى إن حلب منها مائة لم يحصل من لبنها ما يكون غبوق غلام واحد. فالفعل الذي هو «غبق» مستعمل في نفسه على حقيقته، غير مخرج عن معناه وأصله إلى معنى شيء آخر، فيكون قد دخله مجاز في نفسه، وإنّما المجاز في أن أسند إلى الإبل وجعل فعلا لها، وإسناد الفعل إلى الشّيء حكم في الفعل، وليس هو نفس معنى الفعل، فاعرفه.

واعلم أن من سبب اللّطف في ذلك أنه ليس كلّ شيء يصلح لأن يتعاطى فيه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015