متروكة على ظاهرها، ويكون معناها مقصودا في نفسه ومرادا من غير تورية ولا تعريض.
والمثال فيه قولهم: «نهارك صائم وليلك قائم» و «نام ليلي وتجلّى همي»، وقوله تعالى: فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ [البقرة: 16]، وقول الفرزدق: [من الطويل]
سقتها خروق في المسامع، لم تكن ... علاطا، ولا مخبوطة في الملاغم (?)
أنت ترى مجازا في هذا كلّه، ولكن لا في ذوات الكم وأنفس الألفاظ، ولكن في أحكام أجريت عليها. أفلا ترى أنّك لم تتجوّز في قولك: «نهارك صائم، وليلك قائم» في نفس «صائم» و «قائم»، ولكن في أن أجريتهما خبرين على النهار والليل.
وكذلك ليس المجاز في الآية في لفظة «ربحت» نفسها، ولكن في إسنادها إلى التجارة.
وهكذا الحكم في قوله: «سقتها خروق» ليس التجوز في نفس «سقتها»، ولكن في أن أسندها إلى الخروق. أفلا ترى أنك لا ترى شيئا منها إلا وقد أريد به معناه الذي وضع له على وجهه وحقيقته، فلم يرد بصائم غير الصوم، ولا بقائم غير القيام، ولا بربحت غير الرّبح، ولا بسقت غير السقي، كما أريد «بسالت» في قوله: [من الطويل] وسالت بأعناق المطيّ الأباطح (?) غير السّيل.
واعلم أن الذي ذكرت لك في المجاز هناك، من أن من شأنه أن يفخم عليه المعنى وتحدث فيه النباهة، قائم لك مثله هاهنا، فليس يشتبه على عاقل أن ليس حال المعنى وموقعه في قوله: [من الرجز] فنام ليلي وتجلّى همّي (?) كحاله وموقعه إذا أنت تركت المجاز وقلت: «فنمت في ليلي وتجلّى همي»، كما لم يكن الحال في قولك: «رأيت أسدا»، كالحال في «رأيت رجلا كالأسد».
ومن الذي يخفى عليه مكان العلوّ وموضع المزية وصورة الفرقان بين قوله تعالى:
فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ، وبين أن يقال: «فما ربحوا في تجارتهم؟».