الرجلين كليهما»، على معنى لا تضرب واحدا منهما. فإذا قال ذلك لزمه أن يحيل قول الناس: «لا تضربهما معا، ولكن اضرب أحدهما»، و «لا تأخذهما جميعا، ولكن واحدا منهما»، وكفى بذلك فسادا.

وإذ قد بان لك من حال النّصب أنه يقتضي أن يكون المعنى على أنه قد صنع من الذّنب بعضا وترك بعضا، فاعلم أنّ الرّفع على خلاف ذلك، وأنه يقتضي نفي أن يكون قد صنع منه شيئا، وأتى منه قليلا أو كثيرا، وأنك إذا قلت: «كلّهم لا يأتيك»، و «كلّ ذلك لا يكون»، و «كلّ هذا لا يحسن»، كنت نفيت أن يأتيه واحد منهم، وأبيت أن يكون أو يحسن شيء مما أشرت إليه.

ومما يشهد لك بذلك من الشّعر قوله: [من الطويل]

فكيف؟ وكلّ ليس يعدو حمامه ... ولا لامرئ عمّا قضى الله مزحل (?)

المعنى على نفي أن يعدو أحد من الناس حمامه، بلا شبهة. ولو قلت:

«فكيف وليس يعدو كلّ حمامه»: فأخرت «كلّا»، لأفسدت المعنى، وصرت كأنك تقول: «إن من الناس من يسلم من الحمام ويبقى خالدا لا يموت».

ومثله قول دعبل: [من الطويل]

فو الله ما أدري بأيّ سهامها ... رمتني، وكلّ عندنا ليس بالمكدي

أبا الجيد، أم مجرى الوشاح، وإنّني ... لأتهم عينيها مع الفاحم الجعد (?)

المعنى على نفي أن يكون في سهامها مكد على وجه من الوجوه.

ومن البيّن في ذلك ما جاء في حديث ذي اليدين حين قال للنبيّ صلى الله عليه وسلّم:

«أقصرت الصّلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلّم: كلّ ذلك لم يكن. فقال ذو اليدين: بعض ذلك قد كان» (?)، المعنى لا محالة على نفي الأمرين جميعا، وعلى أنه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015