24 - 28]، جاء على ما يقع في أنفس المخلوقين من السّؤال. فلما كان العرف والعادة فيما بين المخلوقين إذا قيل لهم: «دخل قوم على فلان فقالوا كذا»، أن يقولوا: «فما قال هو؟»، ويقول المجيب: «قال كذا»، أخرج الكلام ذلك المخرج، لأنّ الناس خوطبوا بما يتعارفونه، وسلك باللفظ معهم المسلك الذي يسلكونه.
وكذلك قوله: «قال ألا تأكلون»، وذلك أن قوله: «فجاء بعجل سمين. فقرّبه إليهم»، يقتضي أن يتبع هذا الفعل بقول، فكأنه قيل والله أعلم: «فما قال حين وضع الطعام بين أيديهم؟»، فأتى قوله: «قال ألا تأكلون»، جوابا عن ذلك.
وكذا «قالوا لا تخف»، لأن قوله: «فأوجس منهم خيفة»، يقتضي أن يكون من الملائكة كلام في تأنيسه وتسكينه مما خامره، فكأنه قيل: «فما قالوا حين رأوه وقد تغيّر ودخلته الخيفة؟» فقيل: «قالوا لا تخف».
وذلك، والله أعلم، المعنى في جميع ما يجيء منه على كثرته، كالذي يجيء في قصّة فرعون عليه اللّعنة، وفي ردّ موسى عليه السلام عليه كقوله: قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ. قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ. قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ. قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ. قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ. قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ. قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ. قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ. قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [الشعراء: 23 - 31]، جاء ذلك كله، والله أعلم، على تقدير السؤال والجواب كالذي جرت به العادة فيما بين المخلوقين، فلما كان السامع منّا إذا سمع الخبر عن فرعون بأنه قال: «وما رب العالمين؟»، وقع في نفسه أن يقول:
«فما قال موسى له؟» أتى قوله: «قال ربّ السماوات والأرض»، مأتى الجواب مبتدأ مفصولا غير معطوف. وهكذا التقدير والتفسير أبدا في كل ما جاء فيه لفظ «قال» هذا المجيء، وقد يكون الأمر في بعض ذلك أشدّ وضوحا.
- فممّا هو في غاية الوضوح قوله تعالى: قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ. قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ [الحجر: 57 - 58]، وذلك لأنّه لا يخفى على عاقل أنه جاء على معنى الجواب، وعلى أن نزّل السامعون كأنهم قالوا: «فما قال له الملائكة؟»، فقيل: «قالوا إنّا أرسلنا إلى قوم مجرمين».
وكذلك قوله عز وجل في سورة يس: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ