في الحكم موجودا. فإذا قلت: «مررت برجل خلقه حسن وخلقه قبيح» كنت قد أشركت الجملة الثانية في حكم الأولى، وذلك الحكم كونها في موضع جرّ بأنّها صفة للنكرة. ونظائر ذلك تكثر، والأمر فيها يسهل.

والذي يشكل أمره هو الضرب الثاني، وذلك أن تعطف على الجملة العارية الموضع من الإعراب جملة أخرى، كقولك: «زيد قائم، وعمرو قاعد» و «العلم حسن، والجهل قبيح»، لا سبيل لنا إلى أن ندّعي أن «الواو» أشركت الثانية في إعراب قد وجب للأولى بوجه من الوجوه. وإذا كان كذلك، فينبغي أن تعلم المطلوب من هذا العطف والمغزى منه، ولم لم يستو الحال بين أن تعطف وبين أن تدع العطف فتقول: «زيد قائم، عمرو قاعد»، بعد أن لا يكون هنا أمر معقول يؤتى بالعاطف ليشرك بين الأولى والثانية فيه؟.

واعلم أنّه إنما يعرض الإشكال في «الواو» دون غيرها من حروف العطف، وذاك لأن تلك تفيد مع الإشراك معاني، مثل أنّ «الفاء» توجب الترتيب من غير تراخ، و «ثم» توجبه مع تراخ، و «أو» تردّد الفعل بين شيئين وتجعله لأحدهما لا بعينه، فإذا عطفت بواحدة منها الجملة على الجملة، ظهرت الفائدة. فإذا قلت: «أعطاني فشكرته»، ظهر بالفاء أن الشكر كان معقّبا على العطاء ومسبّبا عنه، وإذا قلت:

«خرجت ثم خرج زيد»، أفادت «ثم» أن خروجه كان بعد خروجك، وأنّ مهلة وقعت بينهما، وإذا قلت: «يعطيك أو يكسوك»، دلّت «أو» على أنه يفعل واحدا منهما لا بعينه.

وليس «للواو» معنى سوى الإشراك في الحكم الذي يقتضيه الإعراب الذي أتبعت فيه الثاني الأوّل. فإذا قلت: «جاءني زيد وعمرو» لم تفد بالواو شيئا أكثر من إشراك عمرو في المجيء الذي أثبته لزيد، والجمع بينه وبينه، ولا يتصوّر إشراك بين شيئين حتى يكون هناك معنى يقع ذلك الإشراك فيه وإذا كان ذلك كذلك، ولم يكن معنا في قولنا: «زيد قائم وعمرو قاعد» معنى تزعم أنّ «الواو» أشركت بين هاتين الجملتين فيه، ثبت إشكال المسألة.

ثم إنّ الذي يوجبه النظر والتأمّل أن يقال في ذلك: إنّا وإن كنّا إذا قلنا: «زيد قائم وعمرو قاعد»، فإنّا لا نرى هاهنا حكما نزعم أن «الواو» جاءت للجمع بين الجملتين فيه، فإنا نرى أمرا آخر نحصل معه على معنى الجمع. وذلك أنّا لا نقول:

«زيد قائم وعمرو قاعد»، حتى يكون عمرو بسبب من زيد، وحتى يكونا كالنظيرين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015