الفطرة، وأنه لا عيب أعيب عند الجميع من عدمه، ولا ضعة أوضع من الخلوّ عنه، فلم يعاد إذن إلّا من فرط المحبة، ولم يسمح به إلا لشدة الضّنّ.
ثم إنّك لا ترى علما هو أرسخ أصلا، وأبسق (?) فرعا، وأحلى جنى، وأعذب وردا، وأكرم نتاجا، وأنور سراجا، من علم البيان، الذي لولاه لم تر لسانا يحوك الوشي، ويصوغ الحلي، ويلفظ الدّرّ، وينفث السّحر، ويقري الشّهد (?)، ويريك بدائع من الزّهر، ويجنيك الحلو اليانع من الثّمر، والذي لولا تحفّيه بالعلوم، وعنايته بها، وتصويره إيّاها، لبقيت كامنة مستورة، ولما استبنت لها يد الدهر (?) صورة، ولاستمرّ السّرار (?) بأهلّتها، واستولى الخفاء على جملتها، إلى فوائد لا يدركها الإحصاء، ومحاسن لا يحصرها الاستقصاء.
إلّا أنّك لن ترى على ذلك نوعا من العلم قد لقي من الضّيم ما لقيه، ومني من الحيف بما مني به، ودخل على الناس من الغلط في معناه ما دخل عليهم فيه، فقد سبقت إلى نفوسهم اعتقادات فاسدة وظنون رديّة، وركبهم فيه جهل عظيم وخطأ فاحش، ترى كثيرا منهم لا يرى له معنى أكثر ممّا يرى للإشارة بالرأس والعين، وما يجده للخطّ والعقد (?)، يقول: إنّما هو خبر واستخبار، وأمر ونهي، ولكل من ذلك لفظ قد وضع له، وجعل دليلا عليه، فكل من عرف أوضاع لغة من اللغات، عربية كانت أو فارسية، وعرف المغزى من كلّ لفظة، ثم ساعده اللسان على النطق بها، وعلى تأدية أجراسها وحروفها، فهو بين في تلك اللغة، كامل الأداة، بالغ من البيان المبلغ الذي لا مزيد عليه،
منته إلى الغاية التي لا مذهب بعدها. يسمع الفصاحة والبلاغة والبراعة فلا يعرف لها معنى سوى الإطناب في القول، وأن يكون المتكلم في ذلك جهير الصوت، جاري اللسان، لا تعترضه لكنة (?)، ولا تقف به حبسة (?)،