للجنسية، إذ ليس ثمّ إلا انطلاق واحد قد عرف المخاطب أنه كان، واحتاج أن يعيّن له الذي كان منه وينصّ له عليه. فإن قلت: «زيد المنطلق في حاجتك»، تريد الذي من شأنه أن يسعى في حاجتك، عرض فيه معنى الجنسية حينئذ على حدّها في «أنت الحبيب».
وهاهنا أصل يجب أن تحكمه: وهو أن من شأن أسماء الأجناس كلّها إذا وصفت، أن تتنوّع بالصّفة، فيصير «الرّجل» الذي هو جنس واحد إذا وصفته فقلت:
«رجل ظريف»، و «رجل طويل»، و «رجل قصير»، «رجل شاعر»، و «رجل كاتب»، أنواعا مختلفة يعدّ كل نوع منها شيئا على حدة، وتستأنف في اسم «الرجل» بكل صفة تقرنها إليه جنسية.
وهكذا القول في «المصادر»، تقول: «العلم» و «الجهل» و «الضّرب» و «القتل» و «السّير» و «القيام» و «القعود»، فتجد كل واحد من هذه المعاني جنسا كالرجل والفرس والحمار. فإذا وصفت فقلت: «علم كذا» و «علم كذا» كقولك:
«علم ضروريّ» و «علم مكتسب»، و «علم جليّ» و «علم خفيّ» و «ضرب شديد» و «ضرب خفيف» و «سير سريع» و «سير بطيء» وما شاكل ذلك، انقسم الجنس منها أقساما، وصار أنواعا، وكان مثلها مثل الشيء المجموع المؤلّف تفرّقه فرقا وتشعّبه شعبا. وهذا مذهب معروف عندهم، وأصل متعارف في كل جيل وأمّة.
ثم إن هاهنا أصلا هو كالمتفرّع على هذا الأصل أو كالنّظير له، وهو أنّ من شأن «المصدر» أن يفرّق بالصّلات كما يفرق بالصّفات.
ومعنى هذا الكلام أنك تقول «الضرب»، فتراه جنسا واحدا، فإذا قلت:
«الضّرب بالسيف»، صار بتعديتك له إلى السيف، نوعا مخصوصا. ألا تراك تقول:
«الضّرب بالسيف غير الضّرب بالعصا»، تريد أنهما نوعان مختلفان، وأنّ اجتماعهما في اسم «الضرب» لا يوجب اتفاقهما، لأنّ الصلة قد فصلت بينهما وفرّقتهما. ومن المثال البيّن في ذلك قول المتنبي: [من الكامل]
وتوهّموا اللّعب الوغى، والطّعن في ال ... هيجاء غير الطّعن في الميدان (?)