الواهب المائة المصطفاة»، ولكن على وجه ثالث، وهو الذي عليه قول الخنساء:
[من الوافر]
إذا قبح البكاء على قتيل ... رأيت بكاءك الحسن الجميلا (?)
لم ترد أن ما عدا البكاء عليه فليس بحسن ولا جميل، ولم تقيّد الحسن بشيء فيتصوّر أن يقصر على البكاء، كما قصر الأعشى هبة المائة على الممدوح، ولكنها أرادت أن تقرّه في جنس ما حسنه الحسن الظاهر الذي لا ينكره أحد، ولا يشك فيه شاك.
ومثله قول حسان: [من الطويل]
وإنّ سنام المجد من آل هاشم ... بنو بنت مخزوم ووالدك العبد (?)
أراد أن يثبت العبوديّة، ثم يجعله ظاهر الأمر فيها ومعروفا بها، ولو قال:
«ووالدك عبد»، لم يكن قد جعل حاله في العبودية حالة ظاهرة متعارفة وعلى ذلك قول الآخر: [من الطويل]
أسود إذا ما أبدت الحرب نابها ... وفي سائر الدّهر الغيوث المواطر
واعلم أن للخبر المعرّف «بالألف واللام» معنى غير ما ذكرت لك، وله مسلك ثمّ دقيق ولمحة كالخلس، يكون المتأمل عنده كما يقال: «يعرف وينكر»، وذلك قولك: «هو البطل المحامي» و «هو المتّقى المرتجى»، وأنت لا تقصد شيئا مما تقدم، فلست تشير إلى معنى قد علم المخاطب أنه كان، ولم يعلم أنه ممن كان كما مضى في قولك: «زيد هو المنطلق»، ولا تريد أن تقصر معنى عليه على معنى أنه لم يحصل لغيره على الكمال، كما كان في قولك: «ووالدك العبد»، ولكنّك تريد أن تقول لصاحبك: هل سمعت بالبطل المحامي؟ وهل حصّلت معنى هذه الصفة؟
وكيف ينبغي أن يكون الرجل حتى يستحق أن يقال ذلك له وفيه؟ فإن كنت قتلته علما، وتصوّرته حقّ تصوّره، فعليك صاحبك واشدد به يدك، فهو ضالّتك وعنده بغيتك، وطريقه طريق قولك: «هل سمعت بالأسد؟ وهل تعرف ما هو؟ فإن كنت تعرف، فزيد هو هو بعينه».