أحدهما قد صلح في مكان الآخر، وتعلم أنّ المعنى مع أحدهما غيره مع الآخر، كما هو العبرة في حمل الخفيّ على الجليّ. وينعكس لك هذا الحكم، أعني أنّك كما وجدت الاسم يقع حيث لا يصلح الفعل مكانه، كذلك تجد الفعل يقع ثمّ لا يصلح الاسم مكانه، ولا يؤدّي ما كان يؤدّيه.
فمن البيّن في ذلك قول الأعشى: [من الطويل]
لعمري لقد لاحت عيون كثيرة ... إلى ضوء نار في يفاع تحرّق
تشبّ لمقرورين يصطليانها ... وبات على النّار النّدى والمحلّق (?)
معلوم أنه لو قيل: «إلى ضوء نار متحرّقة»، لنبا عنه الطبع وأنكرته النفس، ثم لا يكون ذاك النبوّ وذاك الإنكار من أجل القافية وأنها تفسد به، بل من جهة أنه لا يشبه الغرض ولا يليق بالحال.
وكذلك قوله: [من الكامل]
أوكلّما وردت عكاظ قبيلة ... بعثوا إليّ عريفهم يتوسّم (?)
وذلك لأن المعنى في بيت الأعشى على أنّ هناك موقدا يتجدّد منه الإلهاب والإشعال حالا فحالا، وإذا قيل: «متحرقة»، كان المعنى أن هناك نارا قد ثبتت لها وفيها هذه الصفة، وجرى مجرى أن يقال: «إلى ضوء نار عظيمة» في أنه لا يفيد فعلا يفعل وكذلك الحال في قوله: «بعثوا إليّ عريفهم يتوسم»، وذلك لأن المعنى على توسّم وتأمّل ونظر يتجدّد من العريف هناك حالا فحالا وتصفّح منه الوجوه واحدا بعد واحد: ولو قيل: «بعثوا إليّ عريفهم متوسّما»، لم يفد ذلك حقّ الإفادة.