46 - فإن قالوا: إنه ليكون أن يستحسن الشاعر الشعر يقوله غيره ويكبر شأنه، ويرى فيه فضلًا ومزية على ما قاله هو من قبل، ثم هو لا ييأس من أن يقدر على مثله إذا هو جهد نفسه وتعمل له. فنحن نجعل لفظ القرآن ونظمه على هذا السبيل، وتقول: إنهم سمعوا منه ما بهرهم وعم في نفوسهم، وأنهم [كانوا على حال أنسوا من أنفسهم بأنهم يأتون بمثله إذا هم اجتهدوا1، فحيل بينهم وبين ذلك الاجتهاد، وأخذوا عن طريقه، ومنعوا فضل المنة التي طمعوا معها في أن يجروا إلى تلك الغاية ويبلغوا ذاك الذي أرادوا2 وإذا كنا نعلم أن الشعر المفلق ربما اعتاص القول عليه حتى عييا بقافية، وحتى تنسد عليه المذاهب، وأن الخطيب المصقع يرتج عليه حتى لا يجد مقالًا، وحتى لا يفيض بكلمة، لم يكن الذي قلناه وقدرناه بعيدًا أن يكون، وأن يسعة الجواز ويحتمله الإمكان.
قيل لهم: أنتم الآن كأنكم أردتم أن تسحنوا امركم3، وأن تغطوا على بعض العوار، وأن تتملصلوا من الذي تلزمون4، وليس لكم في ذلك كبير جدوى إذا حقق الأمر، وإنما هو خداع وضرب من التزيق.
وأول ما يدل على بطلان ما قلتم، وأن الذي عرفنا من حال الناس فيما سبيله ما ذكرتم، الضجر والشكوى، وأن يقولوا: "ما بالنا؟ 5 ومن أين دهينا؟ وكيف