فصل- الفرق بين "حروف منظومة" و"كلم منظومة":
40 - ومما يجبُ إحكامهُ بِعَقب هَذا الفصلِ، الفَرْقُ بين قولنا: "حروف منظومة"، و "كلم منظومةٌ".
وذلكَ أنَّ "نظْمَ الحروفِ" هو تَواليها في النطق، وليس نظمُها بمقتضى عن معنى1، ولا الناظمُ لها بمُقْتَفٍ في ذلك رَسْماً منَ العقلِ اقتضَى أَنْ يَتَحرَّى في نظمِهِ لها ما تَحرَّاه. فلو أَنَّ واضع اللُّغة كان قد قال "ربضَ" مكان "ضرَبَ"، لما كَانَ في ذلك ما يؤدي إلى فَسَاد، وأما "نظمُ الكَلِم" فليس الأمر فيه كذلك، لأنك تتفي في نظمِها آثارَ المعاني، وتُرتِّبها على حسبِ ترتب المعاني في النفس2. فهو إذن نظمٌ يعتبرُ فيه حالُ المنظوم بعضهُ معَ بعضٍ، وليسَ هو "النَّظم" الذي معناهُ ضمُّ الشيء إلى الشيء كيف جاء واتفق. ولذلك كان عندهم نظيرا للنسخ والتّأليفِ والصياغةِ والبناءِ والوَشْيِ والتحبير وما أَشبَه ذلك3، مما يُوجب اعتبارَ الأجزاءِ بَعْضِها معَ بعضٍ، حتى يكونَ لوضعِ كلِّ حيثُ وُضع، علةٌ تَقْتَضي كونَه هناك، وحتى لو وُضِع في مكان غيره لم يصلح.
41 - والفائدة ي معرفة هذا الفرقِ: أَنكَ إذا عرَفْتَه عرفْتَ أنْ ليس الغَرضُ بنَظْم الكَلِم، أَنْ توالَتْ ألفاظُها في النُّطق4 بل أَنْ تناسَقَتْ دلالتُها.