ذلك الإنسان قط، ولم يكن منه إليه ما يهز ويحرك ويهيج على تلك المعارضة، ويدعو إلى ذلك التعرض.
وإن كان المدعي ذلك بمرأى منه ومسمع، كان ذلك أدعى له إلى مباراته، وإلى إظهار ما عنده، وإلى أن يعرف الناس أنه لا يقصر عنه، أو أنه منه أفضل.
فإن انضاف إلى ذلك أن يدعوه الرجل إلى مماتنته، ويحركه لمقاولته1، فذلك الذي يسهر ليله ويسلبه القرار، حتى يستفرغ مجهوده في جوابه، ويبلغ أقصى الحد في مناقضته.
وقد عرفت قصة جرير والفرزدق، وكل شاعرين جمعهما عصر، ثم عرض بينهما ما يهيج على المقاولة، ويدعو إلى المفاخرة والمنافرة، كيف جعل كل واحد منهما في مغالبة الآخر، وكيف جعل ذلك همه ووكده2، وقصر عليه دهره؟ هذا، وليس به، ولا يخشى، إلا أن يقضي لصاحبه بأنه أشعر منه، وأن خاطره أحد، وقوافيه أشرد، لا ينازعه ملكًا، ولا يفتات عليه بغلبته له حقًا، ولا يلزمه به إتاوة، ولا يضرب عليه ضريبة؟
6 - وإذا كان هذا واجبًا بين نفسين لا يروم أحدهما من مباهاة صاحبه إلا ما يجري على الألسن من ذكره بالفضل فقط، فكيف يجوز أن يظهر في صميم العرب، وفي مثل قريش ذوى الأنفس الأبية والهمم العلية، والأنفة والحمية من يدعي النبوة، ويخبر أنه مبعوث من الله تعالى إلى الخلق كافة، وأنه بشير بالجنة