وأنه لا يجوز أن يدعي للمتأخرين من الخطباء والبلغاء عن زمان النبي صلى الله عليه وسلم الذي نزل فيه الوحي، وكان فيه التحدي1، أنهم زادوا على أولئك الأولين، أو كملوا في علم البلاغة أو تعاطبها لما لم يكملوا له. كيف؟ ونحن نراهم يحملون عنهم أنفسهم2، ويبرأون من دعوى المداناة معهم، فضلًا عن الزيادة عليهم.
هذا خالد بن صفوان يقول: "كيف نجاريهم وإنما نحكيهم؟ أم كيف نسابقهم، وإنما نجرى على ما سبق إليينا من أعرافهم؟ ".
ونرى الجاحظ يدعي للعرب الفضل على الأمم كلها في الخطابة والبلاغة، ويناظر في ذلك الشعوبية، ويجهلهم ويسفه أحلامهم في إنكارهم ذلك، ويقضي عليهم بالشفوة وبالتهالك في العصبية، ويبطل ويطنب، مث يقول:
"ونحن أبقاك الله إذا ادعينا للعرب الفضل على الأمم كلها في أصناف البلاغة، من القصيد والأرجاز، ومن المنثور والأسجاع، ومن المزدوج وما لا يزدوج، فمعنا على أن ذلك لهم3 شاهد صادق، من الديباجة الكريمة، والرونق العجيب، والسبك والنحت الذي لا يستطيع أشعر الناس اليوم ولا أرفعهم في البيان أن يقول مثل ذلك، إلا في اليسير والشيء القليل". انتهى كلامه4.