خاصاً بالفرزدقِ، وأن يقضيَ له بالسبق إليه، إذ ليس في الجملة التي بُني عليها ما يوجب شيئاً من ذلك، فاعرفه.
628 - والنكتة التي يجب أن تُراعَى في هذا، أنه لا تتبينُ لك صورةُ المعنى الذي هو معنى الفرزدق، إلا عند آخر حروف من البيت، حتى إن قطعتَ عنه قولَه "هجائيا" بل "الياء" التي هيَ ضمير الفرزدق، لم يكن الذي تعقلُه منه ممَّا أراده الفرزدق بسبيل، لأن غرضه تهويلُ أمر هجائه، والتحذيرُ منه، وأن من عرَّض أمَه له، كان قد عرَّضَها لأعظم ما يكونُ من الشرِّ.
629 - وكذلك حكمُ نظائِرهِ من الشِّعْرِ، فإِذا نظرت إلى قول القطامي:
فهنَّ يَنْبُذنَ من قولٍ يُصبْنَ بهِ ... مَواقعَ الماء من ذي الغلة الصادي1
وجدتك لاتحصل على معنى يصحُّ أن يقالَ إنه غرضُ الشاعرِ ومعناه، إلا عند قولهِ "ذي الغلة".
630 - ويزيدك استبصاراً فيما قلناه، أن تنظرَ فيما كانَ من الشِّعْرِ جُملاً قد عُطِفَ بعضُها على بعض بالواو، كقوله:
النشر مسك، والوجوه دنا ... نير وأطراف الاكف عنم2
وذلك أنه ترى الذي تعقِلُه من قولِه: "النَشرُ مسكٌ"، لا يصيرُ بانضمام قوله: "والوجوهُ دنانيرُ"، إليه شيئاً غير الذي كان، بل تراه باقياً على حاله.
كذلك ترى ما تعقلِ من قوله: "والوجوه دنانير"، لا يلحقه تغيير بانضمام قوله: و "أطراف الأكف غنم"، إليه.