578 - واعلمْ أنه لو كانَ المعنى في أَحدِ البيتين يكونُ على هيئتِه وصِفَته في البيتِ الآخَر، وكانَ التالي من الشاعِرَيْن يَجيئُك به مُعَاداً على وجهه لم يُحدِثْ فيه شيئاً، ولم يُغيِّر له صِفةً، لكان قولُ العلماءِ في شاعرٍ: "إِنه أَخَذَ المعنى مِنْ صاحِبِه فأحْسَنَ وأجادَ"، وفي آخَرَ "إِنه أسَاءَ وقصَّر"، لغوْاً من القولِ، من حيثُ كان مُحالاً يُحْسِنَ أو يسيءَ في شيءٍ لا يَصْنع به شيئاً.

وكذلك كانَ يكونُ جَعْلُهم البيتَ نظيراً للبيتِ ومناسِباً له، خطأً منهم، لأنه مُحال أن يُناسِبَ الشيءُ نفسَه، وأن يكونَ نَظيراً لنفسِه.

وأمرٌ ثالث: وهو أنهم يقولون في واحد: "إنه أخذ المعنى فظر أَخْذُه"، وفي آخر: "إِنه أَخذَه فأخفَى أخْذَه"، ولو كان المعنى يكونُ مُعاداً على صورتِه وهيئتِه، وكانَ الأَخْذ له مِنْ صاحِبه لا يَصْنع شيئاً غيرَ أن يُبدِّل لفظاً مكانِ لفظٍ، لكان الإخفاءُ فيه مُحالاً، لأن اللفظ لا يُخْفى المعنى، وإنما يُخْفيه إخراجُه في صورةٍ غيرِ التي كانَ عليها.

579 - مثالُ ذلك إن القاضي أبا الحَسَن1، ذكَر فيما ذكرَ فيه "تناسب المعاني"، بيت أبي نواس:

خُلِّيَتْ والحُسْنَ تَأخذُهُ ... تَنْتقي منهُ وتَنْتخِبُ2

وبيتَ عبدِ الله بن مصعب:

كأنَّك جئتَ محتكِماً عليهمْ ... تَخيَّرُ في الأبوَّةِ ما تشاء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015