بسم الله الرحمن الرحيم
بيان مهم في مسألة "اللفظ" و"المعنى":
561 - إعلمْ أَنه لمَّا كان الغلَطُ الذي دخَل على الناس في حديثِ "اللفظِ" كالداءِ الذي يَسْري في العروقِ، ويُفْسِد مِزاجَ البدنِ، وجَبَ أن يُتوخَّى دائباً فيهم ما يتوخَّاه الطبيبُ في النَّاقِه، من تعهُّدهِ بما يزَيد في مُنَّته1، ويُبَقِّيه على صحَّتِه، ويؤمّنُهُ النُّكْسَ في علَّتهِ2.
وقد علِمْنا أنَّ أصْل الفسادِ وسبَبَ الآفةِ، هو ذَهابهُم عن أنَّ مِن شأنِ المعاني أن تَختلِفَ عليها الصورُ، وتَحدُثَ فيها خواص وموايا من بعد أن لا تكون. وإنك ترَى الشاعرَ قد عَمدَ إلى معنىً مبتذَلٍ، فصنَعَ فيه ما يَصْنَعُ الصانِعُ الحاذِقُ إذا هو أغرب ي صَنْعة خاتمٍ وعَمَلِ شَنْفٍ وغيرهما من أصناف الحِلى. فإنَّ جهْلَهم بذلك من حالِها، هو الذي أغواهم واستهواهم، وورطهم يما توَرَّطوا فيه من الجهَالات، وأَدَّاهُم إلى التعلُّق بالمُحالات. وذلك أَنهم لمَّا جَهِلوا شأنَ الصورةِ، وضَعُوا لأَنفُسِهم أساساً، وبنَوْا على قاعدة فقالوا: إنه ليسَ إِلاّ المعنى واللفظُ، ولا ثالثَ وإنه إذا كان كذلكَ، وجَبَ إذا كان لأحدِ الكلامَيْنِ فضيلةٌ لا تَكون للآخَر، ثم كان الغرَضُ مِنْ أحدِهما هوَ الغَرَضَ من صاحبه3 أن يكون مرجع