قد احتذى كل واحد مننهما على قول الفرزدق:
فادْفَعْ بِكفْكَ، إنْ أردُتَ بِناءَنا ... ثهلانَ ذا الهضَباتِ هَل يتحْلَحَلُ1
وجملةُ الأمر أَنهم لا يَجْعلون الشاعرَ "مُحْتذِياً" إلاَّ بما يَجْعلونه بهِ آخذًا ومسترقًا، قال ذو الرمة:
وشعرٍ قَدْ أَرِقْتُ له غريبٍ ... أُجَنّبُهُ المُسانَد والمُحَالا
فبتُّ أُقِيمُهُ وأَقَدُ مِنْهُ ... قَوافِيَ لا أُريد لها مِثَالا2
قال يقول: لا أَحْذوها على شيءٍ سمِعْتُه.
فأَمَّا أنْ يُجْعَل إنشادُ وقراءتُه "احتذاءً" فَما لا يعْلَمونَه كيف؟ وإذا عَمَد عامِدٌ إلى بيتِ شعرٍ فوضَعَ مكانَ كل لفظة لفظًا في معناه، كثل أنْ يقولَ في قولِه:
دَعِ المَكارِمَ لا تَرْحَلْ لِبُغْيتهِا ... واقْعُدْ فإِنَّك أنتَ الطاعِمُ الكاسي3
ذَرِ المآثِرَ لا تَذْهَبْ لِمَطْلَبِها ... واجْلِسْ فإنكَ أنتَ الآكلُ اللابسُ4
لم يجعلوا ذلك "احتذاء" ولم يوهلوا صاحِبَه لأن يُسَمُّوه "مُحْتذِياً"، ولكنْ يُسمُّونَ هذا الصنيع "سلخًا"، ويرذلونه ويسحقون المتعاطيَ له. فمِنْ أينَ يجوزُ لنا أن نقول في صبي يقرأ قصيدة أمرئ القيس: إنه احتذاه في قوله: