وإذا كان كلُّ واحدٍ منهم قد أَعطى يدَه بأنَّ الفصاحةَ لا تكونُ في الكَلِم أَفراداً، وأنها إنما تكونُ إذا ضُمَّ بعضُها إلى بعض، وكان يكون المراد بضم بضعها إلى بعضٍ، تعليقَ معانيها بعضِها ببعضٍ، لا كَوْنَ بعضِها في النُّطقِ على أثرِ بعضٍ1 كان واجباً، إذا عُلِم ذلكَ، أن يُعْلَم أنَّ الفصاحةَ تَجِبُ لها من أجْل معانيها، لا من أجْل أنْفُسها، لأنه محالٌ أن يكونَ سبب ظهور الفصاحة يها، تعلُّقُ معانيها بعضِها ببعضٍ، ثم تكون الفصاحةُ وصفًا تجب لها لأنفسها لا لماعنيها. وغذا كان العلم بهذه ضرورةً، ثم رأيتَهم لا يَعْلمونَه، فليس إلاَّ أن اعتزامَهم على التقليد قد حالَ بينهم وبين الفكرة، وعرض لهم منه شبه الأخذة2.
تعويل المعتزلة على "نسق الألفاظ" في شأن الفصاحة:
552 - وأعلمْ أنكَ إِذا نظرتَ وجدْتَ مَثلَهم مثَلَ مَنْ يرَى خيَالَ الشيءِ فَيحْسبُهُ الشيءَ، وذاك أَنهم قد اعتمدُوا في كلِّ أمرِهم على النسق الذي يرونه في الألفاظ، وجعل لا يحَفِلون بِغيره، ولا يُعَوِّلون في الفصاحةِ وباللاغة على شيء سواء، حتى انتهوا إلى أن زعموا مَن عَمَد إلى شعرٍ فصيح فقرأه ونطقَ بألفاظهِ على النسَقِ الذي وضعَها الشاعرُ عليه، كان قد أتى بمثْلِ ما أتى به الشاعرُ في فصاحَته وبلاغَته، إلاَّ أَنهم زعَموا أنه يكونُ في إتْيانه بهِ مُحْتذياً لا مبتدئًا3.