يُطْلَب لِمَا قالوه معنًى، وتُعْلَمَ له فائدةٌ، ويَجْشَمَ فيه فكْرٌ، وأن يُعتقدَ على الجملة أقلُّ ما في الباب، أَنه كلامٌ لا يصِحُّ حَمْلُه على ظاهِره، وأن يكونَ المرادُ "باللفظِ" فيه نطْقَ اللسانِ.
فالوصفُ بالتمكُّن والقَلَق في "اللفظ" محالٌ، فإنما يتمكَّنُ الشيءُ ويقْلَقُ إذا كان شيئًا يثبت في مكان، و "الألفاظ" حروف لا يجود مِنها حرفٌ حتى يعدَمَ الذي كان قبلَه. وقولُهم: "متمكِّنٌ" أو "قَلِقٌ" وصْفٌ للكلمةِ بأَسرها، لا حرفٍ حرْفٍ منها1.
ثم إنه لو كان يَصِحُّ في حروفِ الكلمةِ أن تكونَ باقيةً بمجموعها، لكانَ ذلك فيها مُحالاً أيضاً، من حيثُ إنَّ الشيءَ إنما يتمكَّنُ وَيقْلقُ في مكانه الذي يُوجَد فيه، ومكانُ الحروفِ إنما هو الحَلْقُ والفمُ واللسانُ والشفتانِ، فلو كان يَصِحُّ عليها أنْ تُوصَف بأنها تتمكَّن وتقْلَقُ، لكانَ يكون ذلك التمكين وذلك القَلَقُ منها في أَماكنها مِنْ الحَلْق والفَم واللسانِ والشفتين.
وكذلك قولُهم: "لفظٌ ليس فيه فضلٌ عن معناه"، محالٌ أنْ يكونَ المرادُ به "اللفظَ"، لأنه ليس ههنا اسمٌ أو فعلٌ أو حرفٌ يَزيد على معناهُ أو ينقُصُ عنه. كيف؟ وليس بالذَّرْع وضعت الألفاظ على المعاني2.
وإذا اعتبْرنا المعانيَ المستفادةَ من الجمل، فكذلك. وذلك أنه ليس ههنا جملةٌ مِنْ مبتدإ وخَبرٍ أو فِعْل وفاعلٍ، يحصل بها الإثبات أو النفي، أثم أو أنقص مما يحصل باخرىز وإنما فضل اللفظ عن المعنى: أن تزيد الدلالةَ بمعنى على معنى، فتُدْخِلَ في أثناءِ ذلك شيئًا لا حاجة باملعنى المدلول عليه إليه.