513 - فأنت الآن لاتستطيع أن تزعُمَ في بيت الحماسة أنه استعارَ لفظَ "النواجذ" ولفظَ "الأفواه"، لأَن ذلك يُوجب المُحالَ، وهو أنْ يكونَ في المنايا شيءٌ قد شبَّهة بالنواجِذ، وشيء قد شبَّهه بالأفواه، فليس إلاَّ أن تقولَ: إنه لمَّا ادَّعى أن المنايا تُسَرُّ وتَسْتبشر إِذا هو هزَّ السيف، وجعلهخا لسرورها بذلك تضحُكُ1 أرادَ أن يبالغَ في الأمر، فجعلها في صورةِ مَنْ يضحك حتى تَبدوَ نواجذُهُ من شدَّة السرورِ.
وكذلك لا تستطيعُ أنْ تَزعُمَ أَنَّ المتنبي قد استعارَ لفظَ "الأُذُن"، لأَنه يُوجبُ أن يكونَ في "الجوزاءِ" شيءٌ قد أرادَ تشبيهَهُ بالأذن. وذلك من شنيع المحال.
تحقيق في معنى "الاستعارة":
514 - فقد تبيَّن من غيرِ وجهٍ أنَّ "الاستعارةَ" إنما هي ادَّعاءُ معنى الاسم للشيء، لا تقل الاسم عن الشيء. وإذا ثبتَ أنها ادِّعاءُ معنى الاسم للشيء، علمتَ أنَّ الذي قالوه من "أنها تعليقٌ للعبارة على غير ما وضعت له في اللغة، وقل لها عمَّا وضعتْ له"2 كلامٌ قد تسامحوا فيه، لأَنه إذا كانتِ "الاستعارةُ" ادعاءَ معنى الاسم، لم يكن الاسمُ مُزالاً عمَّا وُضع له، بل مقرًا عليه.
تفسير معنى "جعل" في الكلام وفي القرآن:
515 - واعلمْ أنك تراهُمْ لا يمتنعونَ إذا تكلَّموا في "الاستعارةِ" من أنْ يَقولوا: "إنه أرادَ المبالغةَ فجعلَه أسداً"، بل هُمْ يلجأون إلى القول به. وذلك صريحٌ في أنَّ الأصْل فيها المعنى، وأنه المستعارُ في الحقيقة، وأن قولَنا: "استعيرَ له اسمُ الأسَدَ"، إشارةٌ إلى أنه استُعير له معْناه، وأنه جُعِل إياهُ.