تمام القول في النظم وأنه توخى معاني النحو

442 - واعلمْ أنه وإنْ كانت الصورةُ في الذي أعَدْنا وأبْدأْنا فيه من أنَّه لا معنى للنظم غيرُ توخِّي معاني النحوِ فيما بينَ الكَلم، قد بلغَتْ في الوضوح والظهورِ والانكشافِ إلى أقصى الغايةِ، وإلى أنْ تكونَ الزيادَةُ عليه كالتكلُّف لِمَا لا يُحْتاجُ إليه، فإِنَّ النفْسَ تنازعُ إلى تتبُّعِ كلِّ ضربٍ منَ الشبْهَةِ يُرَى أنه يعرضُ للمُسلمِ نفسِه عند اعتراض الشكِّ.

443 - وإنَّا لنرَى أنَّ في الناس من إذا رأى أن يَجري في القياس وضربِ المثَل أن تشبِّه الكلمَ في ضمِّ بعضِها إلى بعضٍ، بضَمِّ غَزَل الإبْرَيْسم بعضِه إلى بعضٍ ورأى أنَّ الذي يَنْسِجُ الديباجَ ويَعمَلُ النقْشَ والوشْيَ لا يَصْنَعُ بالإِبريسم الذي يَنْسِجُ منه1، شيئاً غيرَ أنْ يَضُمَّ بعضَه إلى بعضٍ، ويتخيَّر للأَصباغِ المختلفةِ المواقعَ التي يعلمُ أنه إِذا أوْقَعَها يها حدثَ له في نَسْجه ما يُريد منَ النَقْش والصورةِ2 جرى في ظنَّه أنَّ حالَ الكلمِ في ضَمِّ بعضِها إلى بعضٍ، وفي تخيُّر المواقع لها3، حالُ خيوطِ الإِبريسم سواءٌ، ورأيَتَ كلامَه كلامَ مَنْ لا يعَلم أنه لا يَكونُ الضمُّ فيها ضمّاً، ولا المَوْقِعُ مَوْقعاً، حتى يكونَ قد توخَّى فيها معانيَ النحو4 وأنك إن عمدت إلى الألفاظ فجعلتَ تُتْبعُ بعضَها بعضاً من غيرْ أنْ تتوخَّى فيها معانيَ النحوِ، لم تكن صنَعْتَ شيئًا تدعي به.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015