على وزنِ الكلامِ وصياغتِه شِعراً، ولا يُؤيَّد فيه بروح القُدُس.
وإِذا كانَ هذا كذلك، فينبغي أن يَعْلم أَنْ ليس المَنْعُ في ذلك منه تنزيهٍ وكراهةٍ، بل سبيلُ الوزنِ في منعه عليه السلام إياه سبيلُ الخَطِّ، حين جُعل عليه السلامُ لا يقرأُ ولا يَكُتب، في أَنْ لم يكن المَنْعُ منِ أجْل كراهةٍ كانت في الخط؛ بل لأنه تَكونَ الحُجةُ أَبهِرَ وأقهرَ1، والدلالةُ أقوى وأظهر، ولتكونَ أَكْعَمَ للجاحد2، وأَقْمَعَ للمُعَانِد، وأَرَدَّ لِطالب الشبهة، وأمنع من ارتفاع الريبة3.
تعلق الذام له بأحوال الشعراء:
22 - وأما التعلُّق بأحوالِ الشُّعراء بأنَّهم قد ذُمُّوا في كتابِ الله تعالى4، فما أرى عاقلاً يَرْضى به أنْ يَجْعله حُجةً في ذَمِّ الشعر وتهجينه، والمنع منحفظ وروايتِهِ، والعِلْم بما فيه مِن بَلاغةٍ، وما يختصبه من أَدب وحِكْمه5؛ ذاك لأَنه يَلْزمُ على قَوَد هذا القولِ أَن يَعيب العلماءَ في استشهادهم بشِعْر امْرئ القيسِ وأَشعار أهلِ الجاهليِة في تفسيرِ القرآن6، وفي غَريبهِ وغَريبِ الحديث، وكذلك يَلْزمه أنْ يَدْفع سائرَ ما تقدَّم ذكرُه من أَمْر النبي صلى الله عليه وسلم بالشَّعر، وإصغائه إليه، واستحسانِه له.
هذا ولو كان يَسُوغُ ذَمُّ القولِ من أَجْل قائله، وأنه يُحمَلَ ذَنْبُ الشَّاعرِ على الشَّعرِ1 لكانَ يَنبغي أن يُخَصَّ ولا يُعَمَّ، وأن يُسْتثنى، فقد قالَ اللهُ عَزَّ وجلَّ: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} ولولا أَنَّ القولَ يَجُرَّ بَعْضُهُ بَعضاً، وأنَّ الشيءَ يُذكَرُ لدخولِه في القِسْمة، لكان حقُّ هذا ونحوِهِ أَنْ لا يُتَشاغَلَ به، وأن لا يُعادَ ويُبدأ في ذِكره.