"إن"، تهيء النكرة لأن يكون لها حكم المبتدأ في الحديث عنها:
377 - ومما تَصنعُه "إنَّ" في الكلام، أنَّك تَراها تهيئ النكِرةَ وتُصْلِحُها لأن يكونَ لها حكْمُ المبتدأ، أعنى أن تكونَ محدَّثاً عنها بحديثٍ من بعدها. ومثال ذلك قوله:
إنَّ شِواءَ ونَشْوَةً ... وخَبَب البازلِ الأمُونِ1
قد تَرى حسنَها وصحَّةَ المعنى معها، ثم إنَّك إنْ جئتَ بها من غيرِ "إنَّ" فقلتَ: "شواءٌ ونشوةٌ وخبَبُ البازلِ الأمونِ" لم يكنْ كلاماً.
378 - فإنْ كانتِ النكرةُ موصوفةً، وكانتْ لذلك تَصْلحُ أن يبتدأ بها، فإن تَراها مع "إِنَّ" أحْسَنَ، وترى المعنى حينئذٍ أَوْلى بالصِّحَّة وأمْكَنَ، أفلاَ تَرى إلى قوله:
إنَّ دَهْراً يلفُّ شَملي بسُعدى ... لَزَمانٌ يَهُمُّ بالإحسانِ
ليس بخفيٍّ وإنْ كانَ يستقيمُ أنْ تقولَ: "دهرٌ يلفُّ شملي بسُعدى دهرٌ صالحٌ"2 أنْ ليسَ الحالانِ على سواءٍ، وكذلك ليس بِخَفيِّ أَنَّك لو غمدت إلى قوله:
إن أمرًا فادحًا ... عن جوابي شغلك3