أَدخَلَ في الحكومةِ بعضَ الغَيْبِ1، لزعمتُ أنَّ ابنَه لا يقولُ الشعر أيضاً، وهما قولُه:

لا تحسبنَّ الموتَ موْتَ البِلَى ... وإنَّما الموتُ سؤالُ الرجالْ

كِلاَهُما موتٌ، ولكنَّ ذَا ... أَشَدُّ مِنْ ذاكَ عَلى كُلِّ حالْ

ثم قال: "وذهبَ الشيخُ إلى استحسانِ المعاني، والمعاني مطروحةٌ في الطريقِ يَعْرفُها العجميُّ والعربيُّ، والقرويُّ والبدويُّ، وإنما الشأنُ في إقامةِ الوزنِ وتَخيّر اللفظِ، وسهولَة المَخْرج، وصحَّةِ الطَّبْعِ، وكَثْرةِ الماءِ، وجودةِ السَّبْك، وإنما الشِّعرُ صياغةٌ وضربٌ من التصوير"2.

فقد تَراهُ كيفَ أَسْقَطَ أمرَ المعاني، وأبَى أن يجب لها فضل فقال: "هي مطروحةٌ في الطريقِ"، ثمَّ قال: "وأنا أزعمُ أن [ابن] صاحبَ هذين البيتين لا يقولُ شعراً أبداً" فأعْلَمَكَ أنَّ فَضْلَ الشعرِ بلفظِه لا بمعناهُ، وأنه إذا عَدِمَ الحُسْنَ في لفظِه ونَظْمه، لم يستحقَّ هذا الاسمَ بالحقيقة. وأعادَ طَرَفاً منْ هذا الحديثِ في "البيان" فقال:

"ولقد رأيتُ أبا عمرو الشيباني يكتبُ أشعاراً منْ أفواهِ جلسائهِ ليُدخِلَها في بابِ التحفُّظ والتذكُّر3، وربَّما خيِّل إليَّ أنَّ أبناءَ أولئكَ الشعراءِ لا يستطيعونَ أبداً أن يقولوا شعراً جيداً، لمكان أعراقهم من أولئك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015