بالعجزِ عنه. ولأنَّ الأمرَ كذلكَ، ما قامتْ به الحجةُ على العَجم قيامَها على العرب1 واستوى الناسُ قاطبة، فلم يَخْرج الجاهلُ بلسانِ العرب من أن يكونَ مَحْجوجاً بالقرآن.
قيلَ له: خبِّرنا عما اتفقَ عليه المُسلمون منِ اختصاص نبينا صلى الله عليه وسلم بأنْ كانتْ معجزتُه باقيةً على وجهِ الدَّهر، أتعرفُ له معنى غيرَ أنْ لا يزالُ البرهانُ منه لائحاً مُعرَّضاً لكلَّ من أرادَ العلمَ به، وطلبَ الوصولَ إِليه، والحجةُ فيه وبه ظاهرةً لمن أرادَها، والعلمُ بها ممكناً لمن التسمه؟ فإِذا كنتَ لا تشكُّ في أَنْ لا معنى لبقاءِ المُعجزة بالقرآن إلاَّ أنَّ الوصفَ الذي له كان معجزاً قائمٌ فيه أبداً، وأنَّ الطريقَ إِلى العلم به موجودٌ، والوصولَ إِليه ممكنٌ، فانظرْ أيَّ رجلٍ تكونُ إِذا أنتع زهدْتَ في أن تعرفَ حُجَّة الله تعالى، وآثرتَ فيه الجهلَ على العِلمِ، وعدمَ الاسْتبانةِ على وُجودِها، وكان التّقليدُ فيها أحبَّ إِليك، والتعويلُ على علمِ غيرِك آثرَ لديك، ونحِّ الهوى عنك، وراجح عقلك، واصدُقْ نفسك، يَبِنْ لك فُحشُ الغلطِ فيما رأيتَ، وقبْحُ الخطأ في الذي توهَّمتَ. وهل رأيتَ رأياً أعجزَ، واختياراً أقبحَ ممن كَرِهَ أَن تُعرفَ حجةُ الله تعالى منَ الجهةِ التي إِذا عُرفْت منها كانت أنْورَ وأبهرَ، وأقوى وأقهر، وآثرَ أَنْ لا يَقْوى سلطانُها على الشَّرْك كلَّ القوّة2، ولا تَعْلو على الكفر كلَّ العلو؟ والله المستعان.