كالنّاسِبِ الذي يَنْميها إِلى أُصولها، ويُبَيِّنُ فاضلَها من مَفضولِها، فجعَلتْ تُظهر الزهدَ في كلِّ واحدٍ منَ النَّوعين، وتطرحُ كلاً منَ الصِّنفين، وترى التشاغلَ عنهُما أولى منَ الاشتغالِ بهما، والإعراضَ عن تدبُّرهما أصوبَ منَ الإِقبالِ على تعلمهما.
ذمهم للشعر:
5 - أما الشعرُ فَخُيِّلَ إليها أنه ليسَ فيه كثيرُ طائلٍ1، وأنْ ليس إِلا مُلْحةً أو فكاهة، أو بكاءَ منزلٍ أو وصْفَ طلَلٍ، أو نعْتَ ناقةٍ أو جَمل، أو إسرافَ قولٍ في مدحٍ أو هجاءٍ، وأنه ليسَ بشيءٍ تَمسُّ الحاجةُ إِليه في صلاحِ دينٍ أو دنيا.
ذمهم للنحو:
6 - وأما النّحوُ، فَظَّنتْه ضرْباً منَ التكلُّف، وباباً من التعسُّفِ، وشيئاً لا يَستند إِلى أصلٍ، ولا يعتمد يه على عقلٍ، وأنَّ ما زادَ منه على معرفةِ الرَّفعِ والنَّصبِ وما يتصلُ بذلك مما تجده في المبادئ، فهو فضلٌ لا يُجْدي نفعاً، ولا تَحصل منه على فائدةٍ، وضَرَبُوا له المثَل بالمِلْح كما عرفت، إِلى أشباهٍ لهذه الظُّنونِ في القَبِيلَيْن، وآراءٍ لو عَلموا مَغبَّتَها وما تقودُ إِليه، لتعوَّذوا باللهِ منها، ولأنِفُوا لأنفُسهم منَ الرضا بها، وذاك لأنَّهم بإِيثارِهم الجهلَ بذلك على العِلم، في معنى الصادِّ عن سَبيلِ الله، والمُبتغي إطفاءَ نور الله تعالى.
منزلة الشعر والنحو من إعجاز القرآن:
7 - وذاك أنَّا إذا كنَّا نَعلم أنَّ الجهةَ التي منها قامَتِ الحجةُ بالقُرآنِ وظهرتْ، وبانَتْ وبَهرت، هيَ أنْ كانَ على حَدٍّ منَ الفَصاحةِ تقصرُ عنه قُوى البشرِ، ومُنْتهياً إِلى غايةٍ لا يُطمَح إِليها بالفِكر، وكان مُحالاً أن يَعرف كونَه كذلك، إِلا مَنْ عَرفَ الشعرَ الذي هو ديوانُ العَرب، وعنوانُ الأدب،