180 - وإذْ قد عرَفْتَ هذا الفرْقَ، فالذي يَليه من فُروق الخَبَر، وهو الفرْقُ بينَ الإثباتِ إذا كان بالاسم، وبيْنَه إذا كانَ بالفعلِ. وهو فرقٌ لطيفٌ تَمسُّ الحاجة في علم البلاغة إليه.
الفرق بين الخبر إذا كان بالاسم، وإذا كان بالفعل، وأمثلتها:
181 - وبيانُه، أنَّ موضوعَ الاسم على أن يُثْبَتَ به المعنى للشيءِ من غيرِ أن يَقتَضي تجدُّده شيئاً بعْدَ شيء.
182 - وأما الفعلُ فموضوعُه على أنه يقتضي تَجدُّدَ المعنى المُثْبَت به شيئاً بعْدَ شيء"1.
فإذا قلتَ: "زيدٌ منطلقٌ"، فقد أَثبتَّ الانطلاقَ فعْلاً له، من غيرِ أن تجعلَه يَتجدَّد ويَحْدُثُ منه شيئاً فشيئاً، بل يكونُ المعنى فيه كالمعنى في قولك: "زيد طويل"، و "عمرو قصير": فكما لا تقصد ههنا إلى أن تَجعل الطولَ أو القِصَر يتجدَّد ويَحدثُ، بل تَوجِبُهما وتُثْبِتُهما فقط، وتَقْضي بوجوِدهما على الإطلاقِ، كذلك لا تتعرَّضُ في قولك: "زيدٌ منطلقٌ" لأكْثَرَ مِن إثباتِهِ لِزَيد.
183 - وأمَّا الفعلُ، فإنهُ يُقْصَدُ فيه إلى ذلك، فإذا قلتَ: "زيدٌ ها هو ذا يَنْطلقُ"، فقد زَعمْتَ أنَّ الانطلاقَ يقعُ منه جُزءاً فجزءاً، وجعلْتَهُ يُزاوله ويُزَجِّيه.
184 - وإنْ شئتَ أن تُحِسَّ الفرْقَ بينهما مِنْ حيثُ يَلْطُفُ، فتأملْ هذا البيت:
لا يأْلَفُ الدِّرْهَمُ المَضْرُوبُ خِرقَتَنا، ... لكِنْ يَمُرُّ عليها وهو منطلق2