أن يكونَ لم يُنْكر الذودَ من حَيْثُ هو ذَوْدٌ، بل مِنْ حيثُ هو ذَوْدُ غَنم، حتى لو كان مكانَ الغنمِ إبلٌ لم يُنكر الذودَ كما أنك إذا قلتَ:"ما لك تمنعُ أخاك؟ "، كُنْتَ مُنْكِراً المنعَ، لا من حيثُ هوَ مَنعٌ، بل مِنْ حيثُ هو منعُ أخٍ، فاعرْفه تَعْلمْ أَنكَ لم تَجِدْ لِحَذْف المفعولِ في هذا النحوِ مِن الرَّوعة والحُسْن ما وجَدْتَ، إلاَّ لأنَّ في حَذْفه وتَرْكِ ذِكْرِه فائدةً جليلةً، وأَنَّ الغرَضَ لا يصح إلا على تركه.

مثال آخر للحذف الخفي:

165 - وممَّا هو كأنَه نَوعٌ آخرُ غيرُ ما مضى، قول البحتري:

إذا بَعُدَتْ أَبلَتْ، وإن قَرُبَتْ شَفَتْ ... فهِجْرانُها يُبْلي، ولُقيانُها يَشْفي1

قد عُلِمَ أنَّ المعنى: إذا بَعُدَتْ عني أَبْلَتني، وإنْ قَرُبَتْ مني شفَتْني إلاَّ أَنك تَجِدُ الشعرَ يأبى ذِكْرَ ذلك، ويُوجِبُ أطِّراحَه. وذاك لأَنَّه أرادَ أن يَجْعلَ البِلى كأنه واجِبٌ في بِعادها أن يُوجِبَه ويَجْلبه، وكأَنَّه كالطَّبيعة فِيه، وكذلك حالُ الشفاءِ معَ القُرب، حتى كأنه قال: أتدري ما بِعادُها؟ هو الداءُ المُضْني وما قُرْبُها؟ هو الشفاءُ والبُرْءُ مِنْ كلِّ داءٍ. ولا سبيلَ لك إلى هذه اللطيفةِ وهذه النكْتة، إلا بحذف المفعول البتة، فاعرفه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015