أولاً: أن الاحتذاء عند الشعراء، وأهل العلم بالشعر وتقديره وتمييزه هو: أن يبتدئ الشاعر معنى لع غرض أسلوباً -والأسلوب: الضرب من النظم والطريقة فيه- فيعمد شاعر آخر إلى ذلك الأسلوب؛ فيجي به في شعره؛ فيشبه بمن يقطع من أديمه نعلا على مثال نعل قد قطعها صاحبها فيقال: قد احتذى على مثاله.
ثانياً: أن العرب لا يجعلون الشاعر محتذياً، إلا بما يجعلونه به آخذاً من غيره ومسترقاً أما أن يجعل إنشاد الشعر وقراءته احتذاء فما لا يعلمونه.
ثالثاً: أنه لو عمد عامد إلى بيت شعر، فوضع مكان كل لفظة لفظاً في معناه كأن يقول -في قوله-:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
ذر المآثر، لا تذهب لمطلبها ... واجلس، فإنك أنت الآكل اللابس
لم يجعلوا ذلك احتذاء، ولم يؤهلوا صاحبه لأن يسموه محتذياً، ولكن يسمونه هذا الصنيع (سلخاً) ويرذلونه، ويسخفون المتعاطى له، فمن أين يجوز لنا أن نقول: في صبي يقرأ قصيدة امرئ القيس: إنه احتذاء في قوله:
فقلت له لما تمطى بصلبه ... وأردف أعجازاً وناء بكلكل
رابعاً: أنه لو كان منشد الشعر محتذياً، لكن يكون قائل شعر (أي شاعراً) كما أن الذي يحذوا النعل بالنعل يكون قاطع نعل (?).