وفي القسم التطبيقي من رسالته يذكر الخطابي أن عماد البلاغة إنما هو في وضع الألفاظ في مواضعها الخاصة بها، فلكل لفظ موضعه الأشكل به، فإذا ما أزيل عن مكانه وحل محله غيره، فإما أن يتبدل المعنى فيفسد الكلام، وإما أن يذهب الرونق الذي تسقط معه البلاغة.
ويرجع السر - في هذا - إلى أن في الكلام ألفاظاً متقاربة في معانيها، فيظن أنها متساوية في أداء المعنى وتحقيق الغرض، وبيان المراد من الخطاب، والواقع أن لكل لفظة خاصية تتميز بها عن صاحبتها في بعض معانيها، وإن كانا يشتركان في بعضها (?).
وإذا كانت هذه هي حال الألفاظ، فإن المعاني التي تحملها تحتاج إلى أكثر منها معاناة وأشد، لأنها نتاج العقول، وولائد الإفهام، وبنات الأفكار.
وأما رسوم النظم فإن الحاجة فيها إلى الثقافة والحذق أكثر، لأنها لجام الألفاظ، وزمام المعاني وبه تنتظم أجزاء الكلام، ويلتئم بعضه ببعض، فتقوم له صورة في النفس يتشكل بها البيان (?).
وأنت تلاحظ أن الخطابي يرى أن النظم يحدث صورة في النفس يتشكل بها البيان، فالنظم أساس لصور البيان، وهذا ما تأثر به - من بعده - أبو هلال العسكري، وابن سنان، وعبد القاهر الجرجاني.
كما أنك تلاحظ أن الخطابي لم يرتض القول بأن الإعجاز قد يخفى سببه عند البحث، ويظهر أثره في النفس وبحث عن هذا السبب فوجده في النظم، وبمعنى أدق في الرابط بين اللفظ والمعنى، ولكنه قد وقف عند