ووجب أن يفضل بعضه بعضاً، وأن يبعد الشأو في ذلك، وتمتد الغاية، ويعلو المرتقى، ويعز المطلب حتى ينتهي الأمر إلى الإعجاز، وإلى أن يخرج عن طرق البشر.
فعبد القاهر - إذن - يقصد بدلائل الإعجاز: خصائص النظم، وفروقه، ودقائقه ولطائفه.
ومن أشهر الطوائف التي اهتمت بدراسة إعجاز القرآن: طائفتان هما: طائفة الأشاعرة، وطائفة المعتزلة.
أما الطائفة الأولى: وهي طائفة الأشاعرة، فقد كانت ترى أن إعجاز القرآن الكريم في نظمه، وقد مثل هذه الطائفة: أبو الحسن الأشعري، والخطابي، والباقلاني، وانضم إليهم الجاحظ الذي انشق على شيخه النظام القائل بالصرفة، أي أن العرب كان في مقدورهم الإتيان بمثل القرآن، ولكن الله تعالى صرفهم عن ذلك.
وأما الطائفة الأخرى، وهي طائفة المعتزلة، فقد كانت ترى أن إعجاز القرآن الكريم في فصاحته، وأن المزية في الفصاحة للفظ، لا للمعنى وقد مثل هذه الطائفة: أبو على الجبائي، وابنه أبو هاشم، والرماني، وعبد الجبار، وابن سنان الخفاجي القائل بالصرفة.
وقد كان السبب في أن جعل الأشاعرة النظم أساساً لمعرفة إعجاز القرآن، هو
أنهم رأوا أن القرآن الكريم عندما تحدى العرب، وعجزوا عن معارضته قالو، - تارة - أنه شعر، وتارة أخرى أنه سحر.
أما قولهم: إنه شعر فلأنهم رأوه منظوماً، ولكنه نظم مخصوص، فلا هو بالشعر، ولا هو بالنثر.
وأما قولهم: أنه سحر، فلأنهم قد وجدو له وقعاً في قلوبهم، لم يستطيعوا مغالبته، وتأثيراً في نفوسهم، لم يقدروا على الإفلات منه!