(جـ) حصيلة هذا البحث

في القرن الرابع الهجري، كانت قد ترجمت إلى العربية كتب كثيرة مشتملة على المنطق اليوناني، والفلسفة اليونانية، كما كان قد ترجم إلى العربية كل من كتابي: "الشعر" و"الخطابة" لأرسطو على يدي حنين بن إسحاق، ومتى بن يونس، فتأثر كثير من المثقفين العرب بهذا المنطق، واعتقدوا أن الاشتغال به أجدى من الاشتغال بالنحو العربي، لأن المنطق كاف في معرفة الحق من الباطل، والصدق من الكذب والشك من اليقين، مما دعا الكثيرين منهم إلى الزهد في النحو، بل وفي الشعر أيضاً، بدعوى أنه لا جدوى منهما، مما دعا الوزير أبا الفتح الفضل بن جعفر بن الفرات، وزير بني بويه، أن يعقد مناظرة بين أبي سعيد السيرافي النحوي، ومتى ابن يونس المنطقي حول جدوى علم النحو، وفيما: أفحم أبو سعيد متى ابن يونس، بأن صحيح الكلام من سقيمه، إنما يعرف بالنظم والإعراب، وفاسد المعنى من صالحه يعرف بالعقل فالمنطقي في حاجة إلى النحو، دون حاجة النحوي إلى المنطق، وما دام محتاجاً إلى قليل اللغة العربية فهو محتاج إلى كثيرها وما دام محتاجاً إلى كثيرها، وهي مكونة من الأسماء، والأفعال، والحروف، فهو محتاج إلى رصفها، وبنائها على الترتيب الواقع في غرائز أهلها، فاستخراج المعاني ليس قاصراً على علم المنطق، وإنما تستخرج بالنحو أيضاً و"معاني النحو" منقسمة بين حركات اللفظ وسكناته، وبين وضع الحروف في مواضعها المقتضية لها، وبين تأليف الكلام بالتقديم والتأخير، وتوخي الصواب في ذلك، وتجنب الخطأ من ذلك، فإذا قال لك قائل: كن نحوياً لغوياً، فصيحاً، فهو إنما يريد: أفهم عن نفسك، ثم رم أن يفهم عنك غيرك، وقدر اللفظ على المعنى، إذا كنت تريد الحقيقة فإذا تجاوزتها إلى الاتساع في المعنى، فأجل اللفظ بالروادف الوضحة، والأشباه المقربة، والاستعارات الممتعة، وما نظم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015